انحدرت تركيا «الأردوغانية» بعد محاولة الانقلاب الفاشلة إلى حالة مدمرة من الانتقام المؤلم لكل من يعارض فكر الرئيس، وتحول الرئيس نفسه إلى حالة استثنائية من الاستبداد والديكتاتورية وأصبح هو رئيس الوزراء والمدعى العام والقاض وضابط الشرطة والجيش، وكل شئ فى تركيا، ولسان حاله يقول أنا تركيا وتركيا أنا.. أليس هو من قال أمس الأول «إن الشعب يريد عودة حكم الإعدام»، ولم يخبرنا كيف عرف أن ال 79 مليون تركى، يريدون عودة الإعدام.. لم يسألهم بالطبع واحدا واحدا كما أنه لم ينظم استفتاء، ولكن مادام أنه يريد عودة حكم الإعدام لينتقم من خصومه، فإن الشعب يريد ما يريده الرئيس! وربما لا يعرف أردوغان أن الدائرة قد تدور عليه هو نفسه، فالسياسة لا تعرف الدوام! والواقع أن الرجل اعتبرها فرصة ذهبية جاءت إليه من السماء، كما قال، ليس فقط ليقضى تماما على خصومه وكل من يعارضه حتى من داخل حزبه، ولكن لكى يقضى تماما على بقايا الدولة الأتاتوركية.. أو الكمالية.. ويرسخ دولته الأردوغانية، بدليل رغبته الجامحة فى تعديل الدستور، بحيث يصبح نظام الحكم رئاسيا بدلا من النظام البرلماني، وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، بدأ أردوغان ورئيس وزرائه ومسئولو حزبه، يتحدثون ليس عن تعديل الدستور، بل عن وضع «دستور جديد» بدلا من دستور 1981، الذى يعطى البرلمان والحكومة صلاحيات أوسع من الرئيس، وقد تضخم الرئيس بصورة لم تعرفها تركيا إلا فى عهد السلاطين العثمانيين، وتحول «باسم الديمقراطية» إلى فرعون يملك بيديه كل سلطات الحكم ولا يريد أن يسمع إلا صوته أو صدى هذا الصوت من المسئولين حوله، ولم يعد يتحمل أن يخالفه أحد حتى لو كان رفقائه السابقين. أردوغان لديه شغف طاغ بالسلطة والحكم بالطريقة التى يراها هو لبلاده.. ولا يسمح لأحد بمناقشته أو نقد طريقته، ورغبته جامحة فى القضاء على دولة أتاتورك بعد نحو قرن من تأسيسها! لمزيد من مقالات منصور أبو العزم