لا شئ يثير الدهشة فى زمن الغرائب. ففى مثل هذا الزمن لا نستغرب مطالبة سينمائيين لرئيس الحكومة فى لقاء معه بفرض رسوم إضافية على الأفلام الأجنبية التى تُعرض فى مصر. وهذا مطلب يدخل فى إطار العجائب حين يصدر عن سينمائيين يُفترض أن يفهموا أهمية تسهيل عرض هذه الأفلام من أجل تقدم السينما المصرية، ولرفع مستوى الثقافة العامة أيضاً. غير أن المشكلة قد لا تقتصر على الحالة العجائبية التى يمر بها مجتمعنا وتُفقده الشعور بالدهشة. فالمطالبة بفرض رسوم إضافية على الأفلام الأجنبية تثير سؤالا عما إذا كان لدينا سينما حقا. والسؤال مؤلم بسبب تاريخنا السينمائى الذى نعتز به. ولكن طرحه ضرورى فى ظل التدهور الذى حدث فى كثير من المجالات خلال العقود الأخيرة، وأدى إلى تراجع نوعى فى مستوى الأعمال السينمائية. فقد تعودنا أن نُقَّيم حالة السينما لدينا بعدد الأفلام التى تُنتج كل عام، وليس بنوعها. ولكن التدهور النوعى أخطر بكثير من تناقص عدد الأفلام. وبسبب هذا التدهور، فقدنا الوعى مثلا بأهمية السينما الوثائقية التى تزدهر فى عدد متزايد من البلاد العربية، وفقدنا بالتالى أداة لا غنى لها لتوثيق أحداث جسام شهدتها مصر منذ ثورة 25 يناير من وجهات نظر مختلفة. فالفيلم الوثائقى يقدم نظرة معينة لفهم ظاهرة أو أخرى من خلال الإحالة على الواقع، وليس عبر التخيل الذى يقوم عليه الفيلم الروائى. ولذلك تفيد الأفلام الوثائقية فى التعبير عن الواقع من خلال نظرات نقدية وتركيبية تقدم فى مجملها صورا متعددة لهذا الواقع. ومع ذلك توجد محاولات جادة تستحق التقدير من جانب شباب يفهم جيدا مغزى قول باترسيبو جوزمان إن بلادا بلا سينما وثائقية تشبه عائلة بلا أرشيف صور. ولكنهم يعملون فى ظروف غير مواتية ويضطر معظمهم إلى بيع ما يصنعونه من أفلام وثائقية لقنوات تليفزيونية عربية بسبب تهافت مستوى إعلامنا المرئى. كما أن وزارة الثقافة وغيرها من الجهات التى يُفترض أن تشجع السينما الوثائقية فى مثل هذه المرحلة لا تدرك أهمية هذه السينما فى الوقت الذى يصح أن نسأل عما إذا كان لدينا سينما روائية أيضا. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد