فى الوقت الذى تسعى العديد من الأطراف الأممية والدولية والإقليمية نحو إيجاد حل وتوافق فى الأزمة الليبية تبدو حركة الأحداث والتطورات السياسية فى ليبيا أبطأ مما كان مأمولاً، فقد طرح المبعوث الدولى كوبلر ترتيباته المقترحة وتمكن من الحصول فى الصخيرات من الأطراف الليبية المتصارعة على موافقات بشأن بناء حكومة للوفاق الوطنى ومجلس رئاسى جديد فى طرابلس لكل البلاد. ويبدو أيضاُ ان المؤسسات السياسية والعسكرية المتوازية والتى لاتزال قائمة فى كل من شرق ليبيا وغربها لاتزال متمسكة بالروح المناطقية والفئوية والمصالح الجزئية التى اكتسبتها خلال السنوات الأخيرة ولايزال بعض القادة العسكريين فى شرق وغرب ليبيا يتشككون فى إمكان تحقيق إدماج آمن وناجح للميليشيات المسلحة الموزعة فى انحاء البلاد داخل مؤسسة عسكرية وطنية واحدة وذات قيادة موحدة، رغم ان كثيراً من هذه الميليشيات كانت فى الواقع جزءاً من الجيش الليبى السابق فى فترة ما قبل ثورة 17 فبراير 2011. السفير هانى خلاف مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية وأحد أبرز المتخصصين فى الشأن الليبى كشف ل «الأهرام» عن انه من المفارقات التى تستحق الفحص والتدقيق ان يحدث هذا التباطؤ فى إعادة ترتيب البيت الليبى وتوحيد صفوفه فى وقت تزداد فيه بوضوح سرعة ومساحة التمدد لبعض الجماعات الإرهابية الخطيرة ذات الامتدادات العالمية والتى راحت تهدد كل الأطراف الليبية ومصالحها فى بناء دولة مدنية حديثة وديمقراطية ونقصد بها تنظيمات «القاعدة» «وداعش» والتى أخذت تهدد أيضا دول الجوار المباشر ومنطقة جنوب أوروبا ويرى البعض احتمال وجود تواطؤ بين هذه التنظيمات الإرهابية من ناحية وبعض القوى السياسية والميليشيات المحلية المسلحة من جهة أخرى. ويشير خلاف إلى انه رغم ما تناقلته الأنباء منذ فترة عن بعض النجاحات التى حققتها عملية «الكرامة» التى يقودها اللواء خليفة حفتر ضد مواقع التنظيمات الإرهابية فى بعض المناطق بطبرق ودرنة وبنغازى وعن نجاحات أخرى راحت تحققها أخيرا عملية «البنيان المرصوص» التى تقودها القوات التابعة للمجلس الرئاسى الجديد فى طرابلس ضد تنظيم «داعش» فى سرت الا أن استمرار وجود قيادات متوازية فى الشرق والغرب وعمليات عسكرية تقوم بها قوات الجيش الليبى فى الشرق بغير تنسيق كاف مع قوات حكومة الوفاق فى طرابلس من شأنه إطالة فترة الحرب على الإرهاب وزيادة التكلفة البشرية والمادية لتلك العمليات . ويقول انه من دواعى القلق الأخرى فى المشهد الليبى الراهن تنامى المطالبات بإدخال تعديلات على نصوص «الصخيرات» وخاصة فيما يتعلق بمنصب القائد الأعلى للجيش وهوية من يشغله، بالإضافة إلى مطالبات أخرى بخفض عدد نواب رئيس المجلس الرئاسى من 8 نواب الى اثنين فقط. ويذهب البعض الى المطالبة بوثيقة جديدة تماماً لتحل محل وثيقة الصخيرات، وهى كلها أمور تجعل البرلمان الليبى فى طبرق غير قادر حتى الان على منح الثقة المطلوبه للمجلس الرئاسى الجديد ورئيسه السيد فايز السراج، مما يجعل المجلس بلا شرعية كافية حتى الآن. ويوضح السفير هانى خلاف انه مقابل تلك الظواهر الداعية للقلق توجد هناك بعض إرهاصات الأمل وبشريات الانفراج لعل فى مقدمتها اتجاه بعض الدول الاعضاء فى مجلس الأمن الدولى الى رفع الحظر السابق فرضه على توريد السلاح الى ليبيا من أجل تعزيز القدرات الليبية فى التصدى لداعش والقاعدة ، وإبداء عدد من العواصم الدولية استعدادها لإمداد قوات حكومة الوفاق الوطنى بما يلزم من أسلحة وتجهيزات عسكرية وبرامج تدريب ، وهناك أنباء بأن عمليات «البنيان المرصوص» قد أدت فى الآونة الأخيرة الى تقليص أعداد العناصر الإرهابية الموجودة فى سرت وتقليص المساحات والمواقع التى يسيطر عليها تنظيم داعش هناك . وقد يضاف الى تلك الإرهاصات الايجابية ما كشفت عنه الأنباء بشأن التزام السلطات الأمنية فى مدينة «الزنتان» بتنفيذ أحكام العفو عن بعض شخصيات النظام السابق وخروجها من المعتقل، وتحقيق اللقاء المرتقب منذ فترة بين المبعوث الدولى كوبلر والسيد رئيس البرلمان الليبى عقيله صالح ، وما تردد عن ادوار واسعة سوف تسند الى القبائل الليبية فى بعض عمليات حفظ الامن والنظام ، بالإضافة الى استئناف الأنشطة الرياضية العامة فى الكثير من المدن الليبية ومن مسابقات كرة القدم: وأخيرا وليس آخراً بدء الخطوات العملية لتنفيذ توصيات مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار ليبيا. ويكشف انه لابد من التذكير بأن مصر لاتزال تملك الكثير من الأدوات الدبلوماسية والميدانية التى يمكن بها استعادة قدر من الفاعلية لدورها فى ليبيا. ومن بين تلك الأدوات رئاسة مصر لفريق العمل السياسى المنبثق عن آلية دول الجوار الليبى، وعضوية مصر بمجلس الأمن الدولى، فضلا عن استمرار وجود عمالة مصرية بإعداد كثيفة وموزعة على أنحاء الأرض الليبية رغم عودة أعداد كبيرة من هذه العمالة، واستمرار الوجود المتنوع لبعض الشركات الإنتاجية والخدمية المصرية والمشتركة التى تعمل فى مجالات الطاقة والرى والصناعات الغذائية والإسكان والزراعة، بالإضافة الى استضافة مصر لآلاف من الأشقاء الليبيين الذين وفدوا بعائلاتهم واموالهم وبعضهم يملك من الخبرات والتجارب السياسية والنفوذ الاجتماعى والقبلى وربما الاقتصادى ايضا ما يستطيع به اثراء المقاربات المصرية وتنويع مداخلها لو أحسنت مصر توظيف هذا العنصر الليبى وتنظيمه واستثماره جيدا لصالح البلدين والشعبين. كذلك لا ينبغى اغفال قدرات مصر المؤسسية فى استيعاب اعداد كبيرة من العناصر الادارية والفنية والعسكرية الليبية فى معاهد التعليم والتدريب المصرية .