قرار مهم من وزارة العمل ضد شركة إلحاق عمالة بالخارج في بني سويف    فصل الكهرباء عن عدة قرى ببيلا في كفر الشيخ غدًا    نعيم قاسم: سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا ومستعدون للتضحية إلى أقصى الحدود    مصر و7 دول يرفضون تصريحات إسرائيل بفتح معبر رفح لإخراج سكان غزة    رئيس اليمن الأسبق يكشف عن إهدار الفرص السياسية.. وإجبار سالم ربيع على الاستقالة    مراسم قرعة كأس العالم 2026 تجمع قادة الدول المضيفة في مشهد تاريخي (صور)    سوريا تعلن رفع اسمها من قائمة العقوبات الاقتصادية الكندية    ترامب عن الفوز بجائزة فيفا للسلام: «أنقذنا الكثير من الأرواح وهذا شرف كبير لي»    حسام عبد المجيد وديانج على رأس لاعبين أبطال فيلم التجديد بالدوري المصري    معتز بالله عاصم يتوج بذهبية بطولة العالم للتايكوندو تحت 21 عامًا    إصابة النائبة آيات الحداد ووالدها في حادث تصادم على طريق الواحات    أحمد السبكي يكشف موعد طرح فيلم «الملحد» | شاهد    «الست».. بين وهج الاحتفاء فى «مراكش» وجدل السوشيال ميديا    بالأسماء.. تعرف على ال 6 متنافسين فى حلقة اليوم من برنامج دولة التلاوة    ننشر قسيمة زواج بوسي تريند البشَعة بالإسماعيلية ( خاص )    مراد مكرم : لا أشعر بأي غرور بعد نجاح دورى في مسلسل "ورد وشيكولاته"    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء ويقدّم نصائح وقائية    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    "مسيحي" يترشح لوظيفة قيادية في وزارة الأوقاف، ما القصة ؟    وزارة العمل: وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    ليلي علوي تكشف سبب وصول أمير المصري للعالمية    حافظوا على تاريخ أجدادكم الفراعنة    القومي للمرأة يهنئ الفائزين بجوائز التميز الحكومي والعربي وأفضل مبادرة عربية    معدل التضخم الأساسي في الولايات المتحدة يسجل 2.8% في سبتمبر    مصل الإنفلونزا وأمراض القلب    تفاصيل تخلص عروس من حياتها بتناول قرص حفظ الغلال بالمنيا بعد أشهر قليلة من زوجها    البريد المصرى يتيح إصدار شهادة «المشغولات الذهبية» من مصلحة الدمغة والموازين    الإسماعيلي يفوز على الإنتاج الحربي بهدف وديا استعدادا للجونة    تأجيل محاكمة طفل المنشار وحبس المتهم بالاعتداء على طالب الشيخ زايد.. الأحكام × أسبوع    الصحة: فحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم» بالمدارس الابتدائية    فرنسا ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بواشنطن    إصابة سائقين وسيدة بتصادم توك توك وتروسيكل على طريق شارع البحر بمدينة إسنا.. صور    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    كيف تدعم الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية الاقتصاد والمواطن؟    جامعة المنصورة الأهلية تشارك بمؤتمر شباب الباحثين لدول البريكس بروسيا    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    الصين تقدم لفرنسا زوجا جديدا من الباندا خلال زيارة ماكرون    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    "قبل ساعة الاستجابة.. دعوات وأمنيات ترتفع إلى السماء في يوم الجمعة"    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    محافظ كفر الشيخ: افتتاح مسجد عباد الرحمن ببيلا | صور    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    سلوت: محمد صلاح لاعب استثنائي وأفكر فيه سواء كان أساسيًا أو بديلًا    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنقاذ الموصل من بطن الحوت..
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 07 - 2016

العلم عند الله، وللعلم أنه لم يبق سوى شهور معدودات علي تحقيق الآمال المرجوة، ومن هنا وجب الدعاء الذي يُبتغى من وجه الله تعالي من بعد تقديم العمل الجاد، فمن جدّ وجد، ومن آمن بقضية الإنسانية نال المنى، ولقد قالها خالد العبيدى وزير الدفاع العراقي بأن قواته تتقدم بخطى ثابتة صوب مدينة الموصل الواقعة تحت سيطرة داعش، متعهدًا باستعادتها من بعد استرداد الفالوجة قبل نهاية العام.. وعلي نفس خطى التصميم والقناعة تمضي مسيرة ابنة النيل وأخت الهرم السفيرة مشيرة خطاب المصرية العربية الإفريقية الأوسطية العالمية المرشحة لمقعد اليونسكو، مدعمة بقرار جميع القادة الأفارقة في القمة الافريقية ال27 بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعاصمة الرواندية كيجالى، لترشيحها لرئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» التي استنجدت بها مدينة الموصل لإنقاذ تراثها من تنظيم داعش الإرهابى الذي صال فيها وجالَ بمعوله الناسف الهمجى المفجر الجاهلى.. وما أن يلتقى النصر على الجبهتين حربا وسلماً.. استشهادًا واسترشادًا.. سيفاً وقلماً.. جنودًا للفداء وجنودًا للنماء.. العبادى ومشيرة.. فأرض الموصل المسماة «أم الربيعين» لعذوبة جوها في فصلي الربيع والخريف، و«الخضراء» لإخضرار أرضها طول السنة، و«البيضاء» لأن دورها مبنية من الرخام الأبيض.. الموصل التي قال عنها المؤرخ ياقوت الحموى إنها إحدى قواعد بلاد الإسلام، وهي باب العراق ومفتاح خراسان، وعَدَّدَ الحموى بلاد الدنيا العظام ثلاثا هى «نيسابور ودمشق الموصل».. الموصل التي أخذت اسمها لأنها وصلت بين دجلة والفرات.. الموصل التي صدّرت للعالم أرقى الأقمشة «الموسلين» نسبة إليها.. الموصل مرقد الأنبياء شيت ودانيال وجرجيس، وفيها قبر الشاعر الشهير أبى تمام «حبيب بن أوس الطائى» المتوفي فى 845ميلادية.. الموصل المدينة التي شاركت بصنع التاريخ فتلتقى جذور نشأتها مع ميلاد حضارة البناء والمدن في وادى الرافدين.. الموصل التي زارها الرحالة ابن جبير الأندلسي في سنة 1184م وقال في وصف سكانها: وأهل الموصل لا تلقي منهم إلا الوجه الطلق، ولهم بالغرباء بِرًا وإقبالا عليهم.. الموصل من بعد استردادها مع المستقبل القريب في انتظار تفاعل اليونسكو لتضميد جراحات التراث الإنسانى الذى ليس له نظير.. فمسجد النبى يونس بقلب الموصل يستغيث..
يونس الذي خرّ ساجدًا في بطن الحوت قائلا «يارب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يعبدك أحد فى مثله» يونس بن متى وعند أهل الكتاب «يونان»، وبالعبرية «يونه» ومعناه حمامة، وفى اليوننية أضيف حرف السين للاسم فأصبح يونَس، ومنه أخذت العربية الاسم ولكن بكسر السين.. يونس الذى نادى في الظلمات: ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين».. يونس الذى قال عنه تعالي في سورة الصافات «وإن يونس لمن المرسلين» ويقول صلي الله عليه وسلم تواضعًا وهو سيد الأولين والآخرين: «لا تفضلونى علي الأنبياء ولا علي يونس بن متي».. يونس النبى الذى بعثه الله إلي أهل مدينة نينوى قرب الموصل بشمال العراق وكانت عاصمة للآشوريين في عام 617ق.م حيث عبادة الصنم عشتار المنحوت علي هيئة الثور المجنح برأس إنسان وجسم ثور، وقد دعا يونس قومه إلي ترك الأوثان وعبادة الله وحده فعاندوه طويلا فلم يصبر حتى يأذن الله له بفراق، وواصل سيره إلى البحر ليركب سفينة علي وشك الإقلاع، فلما أصبحت في عرض البحر هاجت الأمواج ليتشاءم الركاب قائلين: إن فينا صاحب ذنب.. ولما تكرر وقوع سهم القرعة عليه قفز إلى البحر ليلتقمه حوت أمره الله بأن يونس ليس من رزقه ليمكث في بطنه حيًا يسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وتسبيح الحصى لفالق الحب والنوى ورب السماوات السبع والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، فانصرف فى الظلمات للتسبيح والدعاء.. ويقول تعالى واصفاً وحده ذلك المشهد البليغ: «وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين».. ومسجد يونس عليه السلام فى تصميمه المتدرج الفريد الذى لا يوجد له مثيل علي أرض العراق، حيث يوحى بالصعود إلي كبد السماء في اتجاه البيت المعمور، فالراغب بالصعود عليه البدء من السفح وشيئا فشيئا تتدرج رحلته في التطهر من أدران الدنيا حتى يصل إلي أعلي نقطة من المسجد التي يقع فيها الضريح، ومنه يبدأ في الصعود مرة أخرى إلي الأعلي مرددا لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين حيث التطهر الكامل ليشيع النقاء..
وحكاية الموصل مع الكوارث حكاية تاريخية طويلة ختامها الآن على يد داعش، فمنها أن الله عندما أمر النبي يونس ذا النون عليه السلام بدعوة قومه للتوبة فأصغى الناس إلى مواعظه فتحسنت حياتهم، لكنهم لم يستمروا في التوبة طويلا وإذ ذاك حَلَّ بهم الدمار ولهذا قال تعالى: «فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين»... ويذكر الطبرى أن النبى «جرجيس» عليه السلام دعا ملك الموصل للتوبة فما كان من الملك إلا أن رمى النبى إلي الأسود الضارية فمزقته، ثم إن الله جمع أوصال النبى ورد روحه فأقبل علي سكان الموصل ثانية يعظهم، فلما استمروا في كفرهم بعث الله تعالى عليهم نارًا فأحرقتهم عن آخرهم ليغدوا رمادًا تذروه الرياح.... ويروى المؤرخون أن «تيمورلنك» اكتسح مدينة الموصل بعد صمودها البطولى في وجه هذا الطاغية فقرر حرقها وسرعان ما تحولت إلي رماد، ولا يغيب عن البال ما أغرقه التتار من كنوز ثقافات وتراث العراق في دجلة عند غزوهم بغداد سنة 1258م.. ورغم هول تلك الكارثة نهضت الموصل مرة أخرى بعد أن نبتت الخضرة والأشجار من بين مسام الركام!
و..فى البدء من آلاف السنين كانت الموصل حصنا صغيرا فوق تل قليعات ليُطلق عليه الآراميون اسم «حصن عبرايا» أى الحصن الغربى تمييزا لها عن الحصن الشرقي «نينوى» لأن العرب كانوا يطلقون علي نينوى والموصل اسم «الحصنين» ثم غلب عليها اسم الموصل، وقد فتحها المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب سنة 638م وكان الفاتحون من «تغلب وإياد والخزرج» الذين عمروا بها مسجدًا لهم لم يزل قائماً حتى الآن، ومن الموصل خرجت الجيوش الإسلامية وفتحت أرمينيا وأذربيجان، ومع ولاية هشام بن عبدالملك عام 723م بعث إليها «يحيى بن الحكم» لتنظيم شئونها فأقام له دارًا زخرفها بالتصاوير والنقوش بالرخام والفصوص الملونة لتكون أول دار مزخرفة تشيّد بها، وقد بذل الأمويون عناية خاصة بالبلد الجميل فشقوا الأنهار وخططوا الأسواق وأقاموا القلاع السبع التي كانت ضمن سور الموصل ومنها قلعة «باشطابيا» التى بناها الخليفة الأموى محمد بن مروان في 669م.. وفي العهد العباسي زاد عمران الموصل وتوسعت تجارتها واتسعت رقعتها، ثم اتخذها بنو حمدان العرب التغالبة عاصمة لدولتهم فنظموا الرى وغرسوا فيها الكروم، ووصفها ابن حوقل بأنها المدينة الأصح في التربة والماء والهواء والوجه الحسن.. وفي عهد هارون الرشيد والأمين المأمون أصبحت الموصل مركزًا للصناعات الحرفية، وتقدمت فيها العلوم والمعارف وأنشئت فيها عشرات المدارس والمكتبات وتخرَّج منها عشرات العلماء والمؤرخين والشعراء والفقهاء والموسيقيين ومنهم على سبيل المثال ابن الأثير، وابن خلكان، وابن المستوفي وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق صاحب الأربعين كتاباً في الغناء والتلحين والإيقاع وتاريخ الغناء والمغنين، وحسبه من مجد باق علي الزمان إن ما يغنيه المطربون في أيامنا من مقامات الراست، والجهار كاه، والعجم والبياتى والسيكاه، ومشتقات هذه المقامات وغيرها فضلا عن الإيقاعات إنما هى بعينها نفس المقامات والأوزان التي ضبطها إسحاق الموصلى ضبطا دقيقا منذ ألف ومائتى سنة، وكل ما طرأ عليها فإنما تغيير في الأسماء فقط.. ولقد عاش إسحاق في حماية هارون الرشيد حتى وفاة الرشيد سنة 193ه لتبلغ هيبته مداها في زمن المأمون حتى أصبح وكأنه من أكابر قضاة الدولة أو قوادها، وبفضل إسحاق اتسعت وتأصلت طريقة تدوين الغناء النوتة الموسيقية بما اخترعه واستنبطه من إشارات ورموز وكلمات استعان بها المغنون حتى صار من يقرأها ويفهمها يستطيع أن يغنى الألحان بمقتضاها وكأنه يسمع الألحان من صاحبها ويحفظها بأذنيه، وعلى سبيل المثال أن بلغ مرة الأمير إبراهيم بن المهدى شقيق هارون الرشيد المتيم بالغناء أن إسحاق قد صنع لحنا جديدا، فكتب يطلبه منه، فأرسل إليه إسحاق بأشعاره وإيقاعه ومجراه وتجزئته وأقسامه ومخارج نغماته ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه بدون جهاز تسجيل أو اسطوانة مدمجة فغناه إبراهيم بعد قراءته للأوراق، ثم التقي بإسحاق فأعاد عليه غناء اللحن ليصححه له فوجده لا خطأ فيه فقد فهم إبراهيم الرموز الموسيقية فهماً تاماً مما أطرب إسحاق ليقول: «تفوقت عني يا سيدي في أداء لحني بحسن صوتك».
ومن بين الكنوز الأثرية الموجودة في المناطق المحيطة بالموصل منطقة «نمرود» التى أصبحت العاصمة الثانية للآشوريين في عام 1283ق.م ومعظم الاكتشافات الأثرية البريطانية في الموصل تمت بالتعاون مع بعثات أثرية بريطانية، وقد أمضت الكاتبة البوليسية البريطانية الشهيرة أجاثا كريستى وقتا طويلا في الموصل فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى حيث كان زوجها الأثرى الشهير ماكس ملوان يشترك في إحدى البعثات الاستكشافية، وقد ألهمتها إقامتها بمدينة الخضرة والورود البرية واحتفالات كرنفالات الربيع التي تستمر علي مدى 3 أيام متواصلة، والكنوز الأثرية من العهود الآشورية والسامرية والبابلية روايتين من أشهر رواياتها حيث جرت أحداثهما في موقع «نينفيه» الذى كان يمثل العاصمة الثقافية للإمبراطورية البابلية بعدما ترك الزمان آثارًا قاومت الدمار من بينها قصور لم تزل قائمة في باطن طبقات التربة بمنحوتاتها.. وعلى درب أجاثا كريستى والنزعة البوليسية في أدبها، فقد قامت بريطانيا بدور اللص القليل الأدب بسرقة الكثير من كنوز الموصل الأثرية، وعند مطالبة الحكومة العراقية بإعادتها رفضت حكومة تونى بلير مجرم الحرب بحجة تخوفها عليها من النهب والسرقة والدمار!! علي اعتبار أن وجودها في حوزتها قمة في الأمان وأن حراميها حاميها.. تونى الذى فضحته لجنة شيلكوت أخيرًا بانضمامه لاجتياح العراق بشكل سابق لأوانه في عام 2003 دون محاولة لاستنفاد جميع الفرص، والذي كان قد وعد في 2002 الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش بالوقوف معه «مهما حدث» ليدمرا معا أرض العراق، ووقف بلير في الأسبوع الماضي يقدم أسفه لعائلات 179 جنديا بريطانياً لقوا مصرعهم في حرب العراق ما بين عامى 2003 و2009 ولم يأسف علي قتل عشرات الآلاف من العراقيين في الحرب والعنف الطائفي الذى أعقبها وفتح أبواب الجحيم، والغريب والعجيب والمريب أن عائلات الجنود البريطانيين وحدها التى تطالب الآن بالقصاص من بلير الذى وجهت له اللجنة البريطانية عتابا وانتقادا فقط لكنها أبدًا لم تتهمه بالكذب، وحتى الآن لم تقم أية جهة عراقية متضررة بالمطالبة بالتعويضات الحتمية بينما من فكرَ بالقيام بها هو مجلس النواب المصري وحده!
وإذا ما كانت داعش المدعومة من قوة شيطانية تستهدف التدمير والإبادة وسحق معطيات وتراكمات الحصاد البشري مناوئة لكافة الكيانات العربية والإسلامية، معادية لمعانى السلام والعدل والتسامح والشرف الدينى، معتدية على كل أثر مجيد يفخر به شعب عربي لمحو الهويات وإقصاء الكيانات وطمس معالم الجغرافيا وتقسيم البلاد وتشويه العقيدة الإسلامية، وذلك إحياء لنوازع الحقد التاريخى المتأصل الذى تتجرعه الكتلة الغربية منذ آماد بعيدة، وكان هو الفاعل المحورى في بانوراما الشتات العربى والإسلامي، ومؤامرات الربيع العربى، واندثار المحاور التكوينية للمجتمعات العربية، كذلك بعد أن حققت أمريكا بامتياز أطراف معادلة الخراب في العراق مورطة معها بلير بريطانيا، استعانت تتويجاً لذلك بتلك القوة المختلقة، أو الإخطبوطية الداعشية لإبادة آثار الحضارة البابلية والآشورية وكل ما يرمز إلى أى قيمة في بلاد ما بين النهرين، وهو ما أثار مطامعها أخيرا في التنكيل بدولة أخرى هى مصر والتوعد بدك الأهرامات أسطورة التاريخ الإنسانى التى جسدت معانى الإعجاز.. ولعلها ليست المرة الأولى لممارسة التحرش السياسى والتاريخي بمصر، فقد أشاعت قنوات الإعلام الغربي من قبل كلمة «إيزيس» في الإشارة اختصارا لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو ما يمثل إسقاطا سياسيا مقيتا لإلصاق تهمة العنف والإرهاب بمصر الفرعونية، ذلك باعتبارها تهمة متأصلة امتدت جذورها حتى إطلالة هذا القرن، بينما تعلم علماً يقيناً بأن إيزيس إلهة مصرية قديمة تمثل صورة الزوجة الوفية التى تلملم أشلاء زوجها من فوق جبال الكون، والأم المثالية الحنون، وهى ربة القمر والأمومة والوفاء التى عبدها قدماء المصريين والبطالمة والرومان، ولاتزال تمثل أسطورة حية مستلهمة في مخيلة الكتاب والأدباء والشعراء.. والمعنى الثابت من وراء كل ذلك هو إثارة الخلط والبلبلة والفتنة ووهم الدول والقوميات والعقائد والثقافات بما ليس فيها، لتكريس محتوى معرفي يؤكد أن العالم العربى والإسلامى يمثل فى ذاته كيانا إرهابيا معتديا ينبغى مقاومته واستئصال جذوره وتقليص خرائطه وإثارة فتنِة الداخلية وتحريض أقلياته وتحطيم معنوياته وتخوين أبطاله وتضييق أنفاسه ليأكل بعضه بعضا مع أمل إقصائه كحامل الميكروب علي يد المرشح الجمهورى ترامب خارج حدود الولايات المتحدة الديمقراطية النقية الشفافة الطاهرة!!
و..ليس برج بيزا المائل وحده في إيطاليا إحدى عجائب الدنيا السبع، فهناك على أرض الموصل بالعراق المئذنة الحدباء للجامع النورى الذى شيّده الخليفة العادل نورالدين، حيث شرع في بنائه عام 1177م وانتهى منه في عام 1179، وتعد مئذنته من أهم وأجمل المآذن المشهورة فى العالم الإسلامى، وتأتى شهرتها أولا من ارتفاعها الشاهق الذى يبلغ 55مترا، ومن رشاقتها وجمال الأشكال الزخرفية التى تغطيها بكامل استطالتها، إلي جانب ميلها الملحوظ في بنائها، ومن هنا عُرفت بالحدباء حتى طغى اسمها على مدينة الموصل ذاتها نظرا لأن القادم إليها كان يرى من علي البُعد هذه المئذنة الحدباء التي يُصعد إلي شرفة الآذان فيها بواسطة سلمين حلزونيين يدوران داخلها دون أن يرى الصاعد فى أى منهما من يصعد في السلم الآخر، ولا يلتقيان إلا في الشرفة ذاتها، وقد فُتحت في هيكل المئذنة عدة نوافذ لإدخال الضوء، واعتُمد في زخرفة الحدباء علي الأشكال دون الألوان حيث جاءت زخارفها الرائعة نتيجة التفنن في صف قوالب الطوب الأحمر.... والجدير بالذكر أن الحدباء تعرضت للتشقق فى السبعينيات وتم ترميمها بمساعدة اليونسكو لتظل قائمة كدليل حى علي الطابع التقليدى لعمارة العراق وبلاد فارس التي تعتمد على استخدام تقنيات البناء بالطوب الأحمر تأثرًا بالحضارة النهرية القديمة لبلاد الرافدين، وهى تشكل وحدة متناغمة مع الجامع النورى.. وإذا ما كانت الحدباء قد أنقذها اليونسكو يومًا فإن مرقد النبى يونس عليه السلام بما له من زخم دينى وتاريخى لابد وأن يُلقي هو الآخر الرعاية الواجبة اللائقة بقدسيته خاصة عندما تتولى رئاسته مرشحة مصر السفيرة مشيرة خطاب.. «وكذلك ننجى المؤمنين»..
وعندما تودع مدينة الموصل وتدعو لها ليس لك إلا أن تردد مع شاعرها السرى بن أحمد الرفاء:
سقي ربى الموصل الفيحاء من بلد
جود من المزن يحكى جود أهليها
أأندب العيش فيها أم أنوح على
أيامها أم أعزِّى في لياليها
أرض يحنّ إليها من يفارقها
ويحمد العيش فيها من يدانيها
• • •
ياسر رزق
سَلُمَ من أسماك ياسر لتغدو اسمًا علي مسمى لتظل بطول مسيرتك الصحفية تيسر الصعب وتزرع الأمل، وتهتم بالجوهر كما المظهر، وتصعد درجات الكفاءة وثباً محتفظا بالاتزان، وتكشف من بدرى مكيدة الإخوان، وتأتى بالخبر العزيز الواثق من المصدر اليقين، وتقود حملات صحفية ناجحة لابد وأن تؤدى تحقيقاتها وحيثياتها وتوصياتها إلى قوانين ومشروعات وميادين واكتشافات جديدة مثمرة، وها هى حملتك الوطنية الأخيرة «حلوة يا بلدى» التي دشنتها أخبار اليوم تحت رئاستك من أجل نظافة مصر وعودة المظهر الجمالي لشوارعها تتسع دوائر نورها بطول وعرض خريطة البلاد، فالكل كان مشتاقاً لها وعنده لوعة، والجميع كان في عرض التلويح بالإشارة، والروح طالعة والنفِس كارهة والريحة زفارة، والطهارة المرجوة طالبة نظافة، والنظافة مكبلة ومحتارة ما بين الوزارة وعقدها الطويل المجحف مع شركة النظافة الأجنبية الذى لن تنتهى مدة الإذعان له قبل خمس سنوات عجاف كما يصرح كل مسئول يركب الوزارة وعلي المواطنين خلالها ضبط النفس وسد الأنف وخلع النظر وليبق الحال كما هو عليه، ندور في دوامة الزبّال الواقف والصاعد، وحمار الكارو وصندوق الناصية الطافح، وقطط صفائح شقق العمارة المنتهكة، وفلوس الزبالة الخارجة الداخلة فاتورة الكهرباء، وتدوير القمامة، والزجاج في كيس والبلاستيك والصفيح في كيس، والحنجلة فوق مخلفات أرصفة مختفية تحت الركام، لكن يد الفهلوة علي الدوام تشق فيها ممرًا يتسع لمرور طلبة المدارس والسادة المدرسين والنظار لاستمرار سريان منظومة التعليم والتسريب.. و..تسلم يا ياسر لكل من يتابع صحة وفصاحة ونصاعة ونصاحة صحافتك تلميذا نجيبا للعملاقين مصطفى وعلي أمين، فها قد أتت حملتك الإنسانية أُكُلها على درب عيد الأم وليلة القدر لإعادة الوجه الحضارى لمصر فى أيام معدودات، فعلي مدى 3 أيام فقط لا غير من المبادرة الحضارية تم في القاهرة وحدها رفع 720 طنا من القمامة، وفي القليوبية 1700 طن، وفي الغربية 150 طنا، وكفرالشيخ 180 طنا، والبحيرة 1300 طن، ومطروح 657 طنا، والمنوفية 628 طنا من القمامة إلي جانب 405 أطنان من مخلفات الهدم و100 طن من مخلفات تطهير الترع والمصارف!!.. و..ووقف مدرس التربية الفنية بمدينة الخارجة بالوادى الجديد يعيد دهان سور الحضانة ويكتب فوقه شعار أخبار اليوم «حلوة يا بلدى»..
وإذا ما كان يا عزيزى الصحفي القدير هناك مثل بعض المحافظين من يتجاهل صاحب المبادرة كمفجر لمسيرة النظافة والحلاوة وينسب فعل النظافة لنفسه فألف مليون بركة علي اختلاس وعي النظافة مادام هدفك الإنسانى قد وصل، ومادمت دومًا توقظ الطاقات الإيجابية لطرد عفاريت الطاقات السلبية من جسد الوطن.. وما من فعل كريم ليس له أصل وجذوة وإلهام ونقطة بداية وأول السطر.. وابن رزق.. ياسر.. كان الإشارة.. والأصل، وعلي الأصل دوّر، وفي الأصل، وفي البدء كانت الكلمة «حلوة يا بلدى».
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.