عشنا سنوات طوال منذ ستينات القرن حتى الآن ونحن نستورد القمح الخالي من الإصابة بفطر الإرجوت شديد الضرر، ولا أدري ماذا استجد حاليا حتى نغير هذه السياسة خاصة وأن الأقماح الخالية من الفطر متوفرة وبشدة في عدة مناشئ عالمية شهيرة، ولا أري ضرورة للاستئثار بالمنشأ الوحيد المصابة أقماحه بالفطر, متجاهلين ستة مناشئ وفيرة الإنتاج خالية منه. فالقانون الدولي يعطي لمصر الحق في حماية منتجها الوطني ولها الحق في منع دخول أي أمراض أو حشائش غير موجودة على أراضيها ومن حقنا أن نمنع دخول طفيل جديد شديد الضرر سواء بالمحصول أو بالإنسان أو بالتخزين بالإضافة إلى الإساءة إلى سمعة القمح المصري عالي القيمة والإنتاجية عند إصابته به. ولنا أن نتخيل مرور شاحنة محملة بالقمح وقادمة من المواني المصرية أو من الصوامع والمصابة بالفطر ومتجه إلى مطاحن البحيرة أو المنوفية أو الشرقية أو الفيوم وغيرها من المحافظات الزراعية المصرية وتتخذ طريقها وسط الحقول, بينما القمح «يتسرب» ويتساقط من صندوقها شأن كل شاحنات نقل القمح في مصر وأن هذه الحبوب المتساقطة وسط الحقول جاء عليها الشتاء والأمطار وبدأت في الإنبات وإنتاج نباتات حاضنة للفطر الخطير ثم بدأت الرياح تنثرة إلى باقي نباتات القمح المصرية النامية حتى يدمر الفطر المحصول تماما كما حدث في فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية والآسيوية، ثم انتقال الفطر بالرياح إلى الحقول المجاورة ومن محافظة إلى أخرى، وهو أيضا مايمكن أن يتم بالنقل بالرياح من شاحنات نقل المحصول المصاب بالفطر. وحين تخرج علينا التبريرات غير العلمية بأن هذا الفطر لا ينمو إلا في درجات الحرارة المنخفضة فمردود عليها بأن محصول القمح أصلا محصول شتوي لا ينمو إلا في الأجواء الباردة، بالإضافة إلى أن محافظات وسط الصعيد في مصر بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر تنخفض فيها درجات الحرارة في شهور ديسمبر ويناير وفبراير ومارس ليلا إلى الصفر ومادونه وبيانات الأرصاد الجوية تشهد بذلك، وبالإضافة إلى أن السيول والأمطار والرياح الباردة ضربت أراضي الدلتا في الشتاء الماضي لمرتين متتاليتين في نوفمبر ويناير وأغرقت محافظاتالإسكندريةوالبحيرة والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط وبورسعيد وانخفضت الحرارة نهارا إلى عشر درجات وليلا إلى مايقترب من الصفر، فهل هذه الأجواء باردة أم حارة وتمنع نمو الفطر وانتشاره وسط زراعات القمح المصري النقي؟! ويضاف إلى ذلك تخزين أمثال هذا القمح الموبوء بالفطر في الشون المفتوحة والترابية وتعرضها لسقوط الأمطار أو للرطوبة الجوية والتي تعمل على إنباتها وسرعة انتشار الفطر بالإضافة إلى احتمالات انتقاله إلى الأقماح السليمة في الصوامع والشون المصرية وبذلك ينتشر هذا الفطر سواء في الحقول أو الصوامع وشون التخزين. إن تكرار السماح بإعطاء الاستثناء للقمح الفرنسي خلال العامين الماضين يثير العديد من التساؤلات فقد منحت وزارة التموين استثناء بالسماح لاستيراد القمح الفرنسي بنسبة رطوبة 14% مخالفة للقواعد العامة بأن تكون أقل من 13% بما يجعل القمح سريع التلف ومعرضا لانتشار العطن والأمراض الفطرية مثل الأفلاتوكسين وسمومها التي تسبب سرطان الكبد وتلف الكلي وهي أيضا سموم شديدة الثبات بالإضافة إلى سداد ثمن للمياه يبلغ 1% على اعتبار أنها قمح، فالمركب المحملة بشحنة 60 ألف طن وبها زيادة 1% من نسبة الرطوبة تعني أننا دفعنا ثمن 600 طن من الرطوبة على كونها قمحا، ثم يأتي ثاني الاستثناءات بدخول فطر لبلدنا الخالي منه مخالفين القوانين الدولية بحق حماية المنتج المصري. الأمر يحتاج مراجعة سريعة ووضع قواعد صارمة غير قابلة لتنحيتها بمعرفة الوزراء أو بضغوط رجال الأعمال فصحة المصريين أمانة في عنق كل مسئول. لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد