كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم ترى أن الموسيقار رياض السنباطى أفضل من يلحن قصيدة الفصحى بالإضافة إلى أغنياتها الشهيرة التى كتبها كبار الشعراء بالعامية الراقية وقد لحن لها مجموعة كبيرة من هذه القصائد التى حققت نجاحا كبيرا ولا تزال ترددها الأجيال حتى الآن بداية من رائعتها الشعرية « مصر تتحدث عن نفسها « التى كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم و» ثورة الشك « للأمير عبدالله الفيصل و «من أجل عينك عشقت الهوا « و «الأطلال « شعر إبراهيم ناجى وغيرها، وكانت ترى أيضا أن السنباطى رفيق مشوارها ورحلتها الغنائية التى استمرت أكثر من نصف قرن وتثق فى اختياراته من أغانى الشعراء أصدقائه وهو الذى قدم لها الشاعر عبدالوهاب محمد فى رائعته « ح أسيبك للزمن .. لا عتاب ولا شجن .. تشكى مش حاسأل عليك .. تبكى مش حارحم عنيك « ورائعته أيضا « حق بلادك .. قوم بإيمان وبروح وضمير .. دوس على كل الصعب وسير « وكانت من الأغنيات التى لمعت بمناسبة ثورة 30 يونيو ، وترى أن الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى من الشعراء الذين تعتز بهم وكثيرا ما تسأل السنباطى فى نهاية كل موسم غنائى هل الأستاذ عبدالفتاح مجهز حاجة للموسم الجديد ؟ وكانت سعيدة كل السعادة برائعته الغنائية « طوف وشوف فى بلادنا .. واتفرج وشوف .. ضفتين بيقولوا أهلا .. والنخيل واقف صفوف .. وابتسامة شمسنا أجمل تحية للضيوف « وتعتبرها أجمل أغنية سياحية كتبها شاعر عن مصر ، وكانت سببا فى أن طلب جمال عبدالناصر منها أن يرى السنباطى وجها لوجه وهو يقود الفرقة الموسيقية على المسرح فقالت له السنباطى لا يحب الظهور على الإطلاق ويسمع الأغنية فى الحفل وهو فى بيته وبين أسرته فقال لها « قولى للسنباطى الريس عايز يشوفك وفى نهاية الأغنية عازمك على العشاء إنت وأم كلثوم فى نادى الضباط ، وهى الحكاية التى عرضت جزءا منها فى مقال سابق ، أما حكاية اليوم فستكون لنفس الشاعر الكبيرعبدالفتاح مصطفى « لسه فاكر قلبى يديلك أمان .. ولا فاكر كلمة تعيد اللى كان .. ولا نظرة توصل الشوق والحنان .. لسه فاكر كان زمان « وتبدأ حكايتها فى المذهب الذى كان قد قرأه للسنباطى وأعجب به وطلب منه الحضور إلى فيلته بمصر الجديدة مع النص الكامل للكلمات وأعجب بها السنباطى وقال له سأعرضها على أم كلثوم والتقيا فى فيلتها بالزمالك ورحبت أم كلثوم بالشاعر عبدالفتاح الذى كان فى قمة سعادته وهو يلتقى بها ، وكنت دائم الاتصال به وتربطنى به علاقة طيبة وكثيرا ما ألتقى به فى مكتبه بوزارة الاسكان أول قصر العينى من ناحية التحرير ويروى لى مشاعره وهو يلتقى بسيدة الغناء التى أعجبت بكلمات « لسه فاكر « وطلبت من السنباطى استعجال اللحن لتتغنى به فى موسمها الجديد ليدخل السنباطى فى صومعته كالعادة ولا يخرج منها إلا بعد أن كان قد انتهى من تلحين الأغنية التى استغرقت 45 يوما ليبدا الاتصال بقائد فرقة أم كلثوم الموسيقية عازف القانون الأول محمد عبده صالح وتتم كتابة النوته الموسيقية للحن كما أراد السنباطى الذى كان يجلس بجوار كاتب النوتة ويسمعه اللحن بصوته على العود بداية من المذهب وانتهاء بالكوبليهات الثلاثة ويتحدد بعد ذلك موعد البروفات مع الفرقة الموسيقية بأكملها فى استوديو شركة مصر فون بالشارع المواجه لمكتب بريد العتبة الرئيسى وبحضور مهندس الصوت الفنان كمال اسكندر وكانت تربطنى به علاقة ود وصداقة والمتخصص فى تسجيلات أغانى أم كلثوم، وكانت هذه الأغنية سببا لأن يلحن لى السنباطى أغنية من كلماتى بعنوان « اتصالحنا أنا وحبيبى « وسجلتها فايده كامل على إسطوانة لشركة مصر فون عندما كان شاعر الشباب أحمد رامى أمين عام لجنة النصوص وتضم نخبة من كبار الشعراء أذكر منهم محمود حسن إسماعيل وصالح جودت وعزيز أباظة وعبدالفتاح مصطفى وإسماعيل الحبروك وغيرهم وأعود لمتابعة « لسه فاكر « التى أشادت بتلحينها سيدة الغناء وكانت فى قمة ابتهاجها واندماجها وتأثرها بالمقطع الذى يقول « كانت الأيام فى قلبى .. دموع بتجرى .. وإنت تحلالك دموعى وهى عمرى .. « ليدخل أثناء البروفة الشاعر الكبير أثناء وجود أم كلثوم والسنباطى داخل الأستوديو ولا يستطيع الدخول إلا بعد توقف الغناء وتعلم أم كلثوم والسنباطى بوجوده فى الكابينة ولا يريد أن يدخل حتى لا يقطع تواصل أم كلثوم فى الغناء وتستمر البروفة ويتوقف الغناء لتستريح الفرقة بعض الوقت وعندئذ يدخل عبد الفتاح مع مهندس الصوت ويرحب السنباطى وأم كلثوم به إلى أن يبدأ الكوبليه الأخير الذى تفاعلت معه من كثرة إعجابها به وأعادته مرة أخرى ، وتنتهى البروفات ويتحدد موعد الحفل بعد أسبوع لتستريح أم كلثوم عدة أيام من كثرة إجهادها فى البروفات وفى بداية الحفل يقرأ مذيع الحفل بإلقائه المعبر وصوته المتميز كلمات الأغنية بالكامل وتظهر أم كلثوم مع فرقتها الموسيقية ويستقبلها الجمهور بالتصفيق الحاد لتبدأ الغناء وتعيد المذهب مرتين ثم تنتقل إلى الكوبليه الثانى والثالث بنفس الانفعال والاندماج مع اللحن الرائع والكلمات الشجية إلى أن تصل إلى مسك الختام فى الكوبليه الذى يقول « والليالى كنت بتسمى الليالى .. لعبة الخالى وهى عمر غالى .. كنت أبات أسأل عليك ظنى ودموعى .. وانت متهنى بحيرتى وانشغالى .. « ويبلغ انفعالها قمته عندما تغنى « قل لى إيه قصدك معايا .. بعد ما عرفنا النهاية .. انت جيت مشتاق لحبى .. ولا لدموعى وأسايا .. النهاردة الحب سيرة .. كان وكان .. لما تسألنى أقولك .. كان زمان ..لسه فاكر .. كان زمان. « وينتهى الحفل ويودع الجمهور أم كلثوم ليستمع السنباطى إلى الحفل بين أسرته ويكون أول تليفون تستقبله من السنباطى لتهنئتها بنجاح الأغنية ، فى الوقت الذى تم فيه طبع عشرات آلاف الاسطوانات من لسه فاكر وتم إرسالها لمكاتب الشركة بالدول العربية وكانت بين أيدى عشاق أم كلثوم فى اليوم التالى لإذاعة حفلها من القاهرة.