زاد القرار الذى أصدرته محكمة التحكيم الدولية الدائمة بلاهاى أمس الأول، فى الدعوى التى رفعتها الفلبين ضد الصين أمام المحكمة فى يناير 2013، من توترات بحر الصينالجنوبى ومنطقة جنوب شرق آسيا بشكل عام، وفتح ذلك القرار الذى أعلنت بكين رفضه قبل وبعد صدوره المجال أمام عدة سيناريوهات مستقبلية تتراوح ما بين الحوار والمواجهات العسكرية. قرار تحكيم لاهاى بأنه «لا يوجد أساس قانونى لمطالبة الصين بحقوق تاريخية فى خط القطاعات التسعة ببحر الصينالجنوبى» لم يكن مفاجئا للصين، التى أعلنت مرارا عدم الاعتراف بالدعوى وعدم قبول تدخل المحكمة فى تلك القضية ورفضها للحكم أيا كان، على اعتبار أن الدعوى مسيسة وتخرق قواعد القانون الدولى واتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، حسب رؤية بكين، استنادا إلى إعلان أصدرته عام 2006 باستثناء خلافات ترسيم الحدود والحقوق التاريخية من إجراءات التسوية، وأن مثل هذه الدعاوى تتطلب اتفاق الطرفين على اللجوء للتحكيم وليس طرف واحد، وخط القطاعات التسعة الذى تحدث عنه قرار لاهاى، الصادر فى 497 صفحة، هو خط حددته بكين فى خريطة لبحر الصينالجنوبى نشرتها عام 1947. ورغم أن المسئولين الصينيين كانوا يتوقعون صدور القرار لمصلحة الفلبين، فإن قرار محكمة لاهاى على الرغم من ذلك أثار ردود أفعال متباينة فى الصين ما بين الدعوة إلى حوار مباشر مع الفلبين لحل الأزمة، وبين دعوات ضرورة الاستعداد لاحتمالات مواجهة عسكرية. سيناريوهات مفتوحة قرار محكمة التحكيم الدائمة فى لاهاى سينقل قضية بحر الصينالجنوبى إلى مستوى جديد من التوترات، التى تزايدت فى السنوات الأخيرة حول هذه القضية بسبب الثروات الطبيعية بالبحر وحول الجزر المتنازع عليها من عدة دول، بالإضافة إلى أنه ممر ملاحى مهم وحيوى تمر به أكثر من 100 ألف سفينة تجارية سنويا، كما أن به ثروة سمكية كبيرة، وهناك عدد من السيناريوهات المستقبلية المطروحة لهذه القضية يمكن إجمالها فى الآتى: الأول- الحوار والمفاوضات المباشرة: قد يدفع القرار الأطراف المتنازعة فى بحر الصينالجنوبى إلى التفاوض المباشر كخطوة مقبلة، خصوصا أنه لا توجد آلية لتنفيذ قرارات المحكمة، والحوار وهو الخيار الذى تطرحه الصين دائما وتصر على أنه الطريق الوحيد لحل هذه القضية، وهو ما أشار إليه الرئيس الصينى شى جين بينج فى أول رد فعل له على قرار محكمة لاهاى، حينما قال إن بلاده ملتزمة دائما بالسلام والاستقرار فى بحر الصينالجنوبى وبتسوية النزاعات مع الأطراف المعنية مباشرة عبر المفاوضات، مع تأكيده أن بكين لن تقبل أى اقتراح أو عمل بناء على قرار محكمة لاهاى، وإن سيادة الأراضى الصينية ومصالحها البحرية فى بحر الصينالجنوبى، لن تتأثر بالحكم تحت أى ظروف. وقالت وكالة أنباء «شينخوا» فى أحد تحليلاتها حول القضية إن الرئيس الفلبينى الجديد رودريجو دوتيرتى أعرب عن رغبته فى الدخول فى حوار مع الصين بشأن قضية بحر الصينالجنوبى، وأكدت أنها إشارة مرحب بها. الثانى- الغرق فى مزيد من الدعوى القضائية: قرار محكمة لاهاى لمصلحة الفلبين قد يشجع دولا أخرى من الدول المتنازعة على السيادة فى بحر الصينالجنوبى مثل فيتنام وماليزيا وبروناى إلى التقدم بدعاوى مماثلة للمحكمة للحصول على قرارات مشابهة، وهو ما يمكن أن يغرق القضية فى خضم خلافات قانونية، خصوصا فى ظل غياب آليات تطبيق هذه القرارات. الثالث- المواجهة العسكرية: من السيناريوهات الأكثر تشاؤما حدوث مواجهات عسكرية فى بحر الصينالجنوبى، سواء بين الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية، أو بين الصينوالفلبين، ولم تعد مثل هذه المواجهات مستبعدة الآن، فرد الفعل الصينى الرسمى على قرار لاهاى أكد فى بيان الخارجية الصينية أن بكين لن تقبل أى ادعاء أو عمل على أساس هذا القرار، فيما شدد بيان الحكومة الصينية على أن «الصين لديها سيادة إقليمية وحقوق بحرية ومصالح فى بحر الصينالجنوبى». وفيما اتسمت تصريحات المسئولين الصينيين بالتشديد على أهمية حل القضية عن طريق الحوار المباشر، وإدانتهم لقرار محكمة لاهاى، الذى وصفه وزير الخارجية وانج يى ب«المهزلة السياسية»، كانت وسائل الإعلام الصينية الرسمية أكثر وضوحا فى التلميح إلى إمكانية استخدام الصين القوة العسكرية للحفاظ على حقوقها فى بحر الصينالجنوبى، فبعد ساعات قليلة من صدور القرار أعلنت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» أن طائرة صينية اختبرت بنجاح مطارين شيدا حديثا في سلسلة جزر سبراتلى فى بحر الصينالجنوبى، ورغم أنها طائرة مدنية فإن الإعلان يحمل إشارة بإمكانية استخدام هذه الجزر للطائرات العسكرية. فيما قالت صحيفة الشعب، الناطقة باسم الحزب الشيوعى الصينى الحاكم، فى افتتاحيتها إن «الصين ستتخذ الخطوات الضرورية من أجل حماية سيادتها وحقوقها ومصالحها البحرية من الانتهاك»، وقبل أسبوع خلال مناورات قامت بها القوات البحرية الصينية فى بحر الصينالجنوبى قالت صحيفة «جلوبال تايمز»، التى تملكها مجموعة «الشعب اليومية» وتتبنى عادة خطابا قوميا، إن الصين لابد أن تسارع فى عملية بناء قدراتها الدفاعية «ولابد أن تكون مستعدة لأى مواجهة عسكرية.» لاعبون من الخارج رغم أن الصينوالفلبين هما اللاعبان الرئيسيان نظريا فى قضية بحر الصينالجنوبى، حسب الدعوى التى صدر قرار محكمة لاهاى فيها، فإن الحقيقة مختلفة على الأرض، حيث إن نزاع السيادة على مناطق ببحر الصينالجنوبى يشمل عددا من الدول الأخرى، التى تطالب بتلك السيادة وهى فيتنام وماليزيا وبروناى، بالإضافة إلى تايوان، وقد تباينت ردود أفعال تلك الدول على قرار محكمة لاهاى، ففيما أشادت فيتنام به، رفضت تايوان القرار، الذى يشمل منطقة تديرها، وقالت إنه أضر بحقوقها. وهناك أيضا لاعبون فى هذه القضية من خارج المنطقة، على رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى تتهمها الصين بمحاولة عسكرة بحر الصينالجنوبى، وبأنها المحرك الرئيسى للفلبين للتقدم بدعواها إلى محكمة التحكيم بلاهاى، وفى الوقت الذى تؤكد فيه واشنطن أنها لا تنحاز لطرف ضد آخر فى النزاع، ترسل سفنها الحربية وطائرات الاستطلاع العسكرية إلى المناطق القريبة من الجزر المتنازع عليها فى عمليات تطلق عليها «عمليات حرية الملاحة»، وتقول أمريكا إنها تهدف إلى إبقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع. وقد رحبت الولاياتالمتحدة بالقرار، وحثت الأطراف على التقيد به وتجنب ما وصفته ب»الخطوات الاستفزازية»، حيث قال جون كيربى، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن «القرار يعد مساهمة مهمة في تحقيق الهدف المشترك المتمثل فى التوصل إلى حل سلمى للخلافات فى بحر الصينالجنوبى». وتعتبر اليابان أيضا من اللاعبين فى هذه القضية من خارج المنطقة، وكثيرا ما طالبتها الصين بعدم التدخل فيها، وقد اعتبرت الحكومة اليابانية أن حكم لاهاى نهائى وملزم قانونيا، وقال وزير الخارجية اليابانى فوميو كيشيدا فى بيان إن طوكيو تدافع باستمرار عن أهمية سيادة القانون واستخدام الوسائل السلمية بدلا من استخدام القوة أو الإجبار فى السعى إلى تسوية النزاعات البحرية. وتظل كل الاحتمالات واردة فى قضية بحر الصينالجنوبى، ويتوقف حدوثها على الخطوات المقبلة، خصوصا بعد إعلان وزير خارجية الفلبين بيرفيكتو ياساى أن بلاده تدرس منطوق الحكم لتحديد الخطوة المقبلة، فيما تعتبر الصين أن هذا الحكم «بنى على أساس معيب».