بيت.. صندوق دنياى أنت، لم أكن أفطن أن ثمة عالمًا آخر خارج سور حديقتك.. ألعب الكرة، أركلها فى الحائط، أدرِّب نفسى على التسديد، أتعب، أجلس على بسطة السلم، أطل على شجرة الجوافة، أبحث عن ثمار ناضجة كى ألتهمها.. أنادى على جيراني: عمرو وطارق؛ لنكمل مشاهدة فيلم الرعب «زومبي»... نرحل عنك فى يوم أمشيرى مطير.. حينما توحشنى أمرُّ بشارعك، لا أجد سوى شجرتى العجوز وجدران أسمنتية كالحة.. صورة... فى الأعياد، تسعد بالسفر إلى جدك.. تلعب فى بيته الواسع، تسأل: عن صاحب الشارب الأبيض الكبير الذى ينظر إليك من صورته المعلقة على الحائط الأيمن بالحجرة البحرية.. يبتسم لك جدك، قائلا: «إنه جدك الكبير».. لا تفهم ما يقصد، وتكمل لعبك... رحيل.. تناوشك ذاكرتك كل حين بملامح يوم رحيل جدك، رغم صغر عمرك؛ لتقفز إلى حياتك الآنية... أيام... كل صباح، يصطحبك والدك إلى المدرسة.. أطرافك ووجهك يتجمدون من الصقيع، يهدهد رأسك بيده الحانية.. الشبورة كاسية للطريق.. تمرا بشارع “بين السرايات”.. يصادفكما بائع الفول المدمس بعربته الخشبية.. تحب مذاق ورائحة الفول الطازج.. يشترى لك أبوك إفطارك من سندوتشات الفول ويضعها لك فى حقيبة المدرسة.. نظارة.. يولع جارك عمرو خيرى بلعب التايكوندو؛ يجعلك تهتم بها.. رغم أنك لا تهوى سوى القراءة.. تنضم إلى فريق النادى لتتعلم فنون اللعبة.. تستغرق فى تدريباتها الأسبوعية، لكنك تشعر بالسأم لضرورة خلع نظارتك الطبية.. تصبح وجوه باقى المتدربين مطموسة القسمات، ويتوه تركيزك.. فلا تستطيع الاستمرار فى التدريب، وتجلس متابعًا فقط.. تسجيل... التف أفراد الأسرة على شكل دائرة حول ميكرفون جهاز التسجيل الضخم.. يسجل كل فرد من أفراد العائلة كلمة للذكري، قبل سفر عمك إلى ليبيا.. تجلس فى أحد أركان حجرة الصالون. تتابع التسجيل. ترقب دورك، تبعد عن نفسك الخوف من التلعثم.. تمسك الميكروفون بثبات، تستغربه وتتحدث العربية الفصيحة بالرغم من صغر سنك.. تُفاجئ بها الأسرة، ويرتفع صوت تصفيقهم فى أرجاء بيت العائلة.. طبيب... يرفع طبيب القلب- عادل إمام - سماعته الطبية من فوق صدرك؛ ينظر لك ببشاشة: قم .. ليس بك شيء.. تلمح أمك الجالسة أمام سرير الكشف، ودمعات تطفر من عينيها، تمسحها بمنديلها، وتند ابتسامة عن شفتيها... تليفزيون... تأخذ طبق الملوخية بالأرز من جدتك؛ تجلس أمام شاشة التليفزيون، تتابع برنامج "عصافير الجنة" لسلوى حجازي، والمسلسل اليومي. تحب هذا الصندوق العجيب، تتمنى أن تدخل فيه وتظهر على شاشته، كيف لا تعلم؟ فى يوم تظلم الشاشة، لم تعد تظهر الصورة أو الصوت. بعد العصر، يحضر رجلٌ بحقيبة مليئة بأدوات غريبة وقطع معدنية لا تعرف فائدتها. تجلس بجواره، تتابع إصلاح التليفزيون- مثلما أخبرتك أمك – تتعجب أنك لم تجد المذيعة وأبطالك المحببين إلى قلبك بداخله، لم تر سوى قطع زجاجية وأتربة ملتصقة بها.. هدية... تولع بالصعود إلى سطح بيتك.. تأخذ معك هدية نجاحك (الكرة) تدرب قدميك على المحاورة والتسديد.. تندفع الكرة من خلال باب حجرة (الخزين) المتهالك.. ترتطم بمزهرية جدتك.. تلملم بقاياها وذكرياتك الضائعة.