نبوءة .. حصي مدبب الحواف، ينتشر في محيط رؤيته.. يحاول أن يخرج من باب قصره وأسواره العالية.. ينغرس الحصي في لحم قدميه.. يسقط علي وجهه.. يخترق عينيه.. يسيل دمه الأسود.. يصنع حفره عميقة... تبتلعه. شهيد.. سحب دخان القنابل المسيلة للدموع تملأ أفق" كوبري قصر النيل". عيناه يشب فيهما حريق، يحاول أن يمنع غزو الدخان إلي رئتيه. يخرج قميصه من بنطاله، يضعه علي أنفه. لا فائدة، الخدر يسري قي أطرافه، تسوخ روحه. يسقط أسفل تمثال سعد زغلول. يثبت عينيه علي يد زعيم الأمة؛ وهي تشير بالتقدم إلي الأمام... انفلات... أرقب السماء، القمر بدر، حان وقت التحليق، أعددت الأدوات، قبل أن أبرح كوخي القديم، أتأكد أنني لم أنس شيئًا لرحلتي، أتأمل الصور المعلقة علي الحائط باهت الألوان، حياتي معلقة علي مشجب صدئ.. باب الخروج "يعصلج" في الفتح، عالجته بركلات قوية، لم يتحمل، نفذت من بين أخشابه المهترئة، تيارات الهواء تدفعني إلي الخلف، أقاوم حتي أقف علي حرف التل اليابس، أفرد ذراعي، أحركهما بهدوء وقوة. أبدأ في التحليق. أرتفع، وأرتفع، لا أري سوي نقط صغيرة تضوي في الظلمة، أملأ رئتي بهواء أستنشقه لأول مرة، أدور حول كوخي دورتين، أبتعد ...وأبتعد... ونس.. تضخم عدد كتبك حتي وصلت إلي حجرة نومك، وصعدت إلي كل ركن بها.. يمنة ويسرة.. رغم الفوضي البادية إلا أنها تعطيك الونس، والسفر في عقول وقلوب مختلفة المشارب... عصفور... تفرح بهديتها في عيد الحب.. عصفور الكناريا، تضع قفصه الصغير في شرفة حجرتك، تولع به.. في يوم تراه لا يقترب من طعامه، يتكور في أحد أركان القفص.. تحاول أن تحثه إلي رشف الماء، لكنه يأبي.. تفتح بابه، ليطير في الأفق، لعل الحرية تناديه.. تستغرب أنه يبتعد عن الباب، وينزوي في الجانب الآخر من القفص... العام الخمسون... تبصر فجأة أن قاربك يدنو من المصب، تجابهك أمواج لم ترها طوال إبحارك، تحاول أن تبعد عن روحك الهلع، تمسك المجداف- الوحيد بكل ما تبقي لك من قوة، تحاول وتحاول... قاربك لا يتحمل المياه المتدفقة إليه من كل اتجاه... مشاهد من حياتك طفلا، شابا، كهلا تومض أمام عينيك... شريط متعاقب من الصور، يطبطب عليك وحدتك القادمة، تهون علي نفسك الآتي... رؤي.. تتملي ميزان العدل، المعلق علي يمنة القاضي. الكفتان لا تتساويان، مهما حاولت أن تغير منظور رؤيتك... صندوق لم يغفل لك جفن طوال الليل حتي طلوع نهار جديد. شعور لم تألفه من قبل ينساب إلي روحك. لا يدفعك خوض تجربة التصويت في انتخابات رئيس الجمهورية سوي الخلاص من أصفاد القهر والخنوع. لم ينتبك ثمة تعب أو إرهاق من طول طابور انتظار الدور للإدلاء بصوتك. تتعجل أن ترنو إلي صندوق الاقتراع وتضع لأول مرة ورقة اختيارك، وتنسم عبير الحرية المبتغاة في أفق غائم .. حلم.. أراني أسبح في أعماق بحر، أبصر الأشياء حولي، شعور بالغبطة يشملني، أصحو أتعجب، أنام، أري نفس الحلم... لم يتركني هذا الحلم إلا عندما سافرت إلي بلاد بعيدة، وسبحت في أعماق بحرها... بيت.. صندوق دنياي أنت، لم أكن أفطن أن ثمة عالما آخر خارج سور حديقتك.. ألعب الكرة، أركلها في الحائط، أدرب نفسي علي التسديد، أتعب، أجلس علي بسطة السلم، أطل علي شجرة الجوافة، أبحث عن ثمار ناضجة كي ألتهمها.. أنادي علي جيراني: عمرو وطارق؛ لنكمل مشاهدة فيلم الرعب زومبي... نرحل عنك في يوم أمشيري مطير.. حينما توحشني أمر بشارعك، لا أجد سوي شجرتي العجوز وجدران أسمنتية كالحة..