ليس مفاجئا الاهتمام الإسرائيلى بدول حوض النيل، فقد بدأ منذ توقعت العديد من الدراسات التى أجرتها إسرائيل نضوب مخزون المياه في الأراضي المحتلة خلال الخمسين عاما المقبلة، وهو ما جعلها تبحث عن بديل وفى الوقت نفسه تمد يدها إلى أهم مصادر للمياه فى إفريقيا. ففى الوقت الذى كان فيه المصريون مشغولون بأحداث مسلسلات رمضان وتفاعلهم مع شخصيات خيالية كتبها قلم، كان بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى يقوم بجولة فى غاية الخطورة والأهمية لأديس أبابا عاصمة اثيوبيا، زار خلالها اربع عواصم من دول حوض النيل للتباحث حول سبل التعاون بين إسرائيل ودول حوض النيل، وإيجاد صيغة تفاهمية تضمن لإسرائيل اقتطاع حصة لها من مياه النيل. ومنذ عامين قام مسئولون إسرائيليون بزيارات متكررة الي عدد من العواصم الافريقية, وكان الغطاء المعلن لهذه التحركات هو تأسيس ما يعرف حاليا ب(الوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية في افريقيا), اعتمد لها مجلس الوزراء الإسرائيلى 13 مليون دولار, تحت مسمى دعم الدول الافريقية, وتعزيز العلاقات الاقتصادية ونقل الخبرات, بينما الهدف غير المعلن هو وضع دول منابع نهر النيل تحت سيطرتها والقيام بالدور الذى من الاولى والمفترض أن تقوم به القاهرة، وكانت النتيجة تأزم مشكلة سد النهضة وتهديد حصتنا فى مياه النيل. جاء هذا الإهمال على عكس ما كانت مصر عليه فى الخمسينيات والستينيات، حيث كانت قبلة لمختلف حركات التحرر الافريقية, وهو ما كان له بالغ الاثر فى نفوس الشعوب الإفريقية التى دعمت بدورها مختلف القضايا العربية, وأعادت للأذهان ما فعله محمد على ورحلات التنوير التى قام بها المصريون لنشر التقدم فى القارة السمراء، التى كانت وقتها غارقة فى التخلف ومصدرا أساسيا لتجارة العبيد، لكن شيئا فشىء أهملت القارة وتقلص دور مصر، بينما تعاظم دور إسرائيل لتحتل مكانا فى القارة المهجورة عربيا. وما إعلان إثيوبيا رغبتها بمنح إسرائيل مقعد مراقب فى الاتحاد الافريقي، وقيام إسرائيل بإدارة كهرباء سد النهضة، الذي سيؤثر علي حصة مصر من نهر النيل، إلا صورة حقيقية من البعد الديني اليهودي، الذي تؤمن به العقيدة الإثيوبية والإسرائيلية فيما يتعلق بنهر النيل. أما الآن فلن تنفع التدخلات السريعة لإعادة العلاقات، وإن كانت بعض الدول الإفريقية ترحب بذلك لكن دون فائدة؛ لأنهم سيفتحون أحضانهم لمن يدفع ويستثمر فقط، حتى ولو كان الكيان الصهيونى، ولن يحل هذه المعضلة ويفشل مخططات اليهود إلا تحرك عربى متحالف اتجاه دول القارة السمراء يستهدف نهضة حقيقية تعليميا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، أما غير ذلك فما هو إلا (شو) لأخذ (اللقطة) إعلاميا بعدها يعود كل إلى ما كان عليه..! [email protected] لمزيد من مقالات على جاد