يبدو أن بعضا من كتاب الدراما في مصر لم يدركوا بعد مفهوم "الفانتازيا" ومنها الكوميديا علي وجه الخصوص، فقد ذهب خيال مؤلف مسلسل "بنات سوبر مان" نحو الاجتهاد الجاهل في ابتكار رؤي سطحية ساذجة استطاعت أن تضرب الفكاهة المصرية المشهود لها بالكفاءة والنقاء في مقتل، فما من مشهد يمر للفنان الكوميدي بيومي في هذا المسلسل، الذي يجسد شخصية "قرني" - وهو اسم له دلالة سيئة علي المستوي الشعبي - إلا ويكون متضمنا سيلا هادرا من الألفاظ الخادشة للحياء العام، من نوعية رديئة - أعتذر مقدما عن ذكر بعض منها علي سبيل الإثبات - مثل: "أسكتي يابنت الجزمة .. هو أنا بايت في حضن أمك من إمبارح .. بتبصلي كده ليه يا ابن الجزمة" ، ناهيك عن ما جاء علي لسان يسرا اللوزي "أعلي ما في خيل أمك اركبه"، وريهام حجاج "مش هنروح ياراجل ياقذر"، الأمر الذي يدفعنا لتنبيه هؤلاء بأن الكوميديا أو الفكاهة ليست حركات بهلوانية تصل أحيانا إلي حد الهيستريا، المصحوبة بألفاظ نابية هكذا، نظرا لأن الكوميديا تلعب دورا مهما في صميم حياتنا النفسية والاجتماعية, فنحن نريد أن نضحك حتي نخفف عن أنفسنا بالكوميديا أوالفكاهة التي يراد بها السخرية كتعبير حي عن مرارة الواقع الأليم الذي نحياه، كما أنها الوسيلة الهادفة إلي التغيير الذي يراد به التطهير من عذابات التراجيديا المأسوية في حياتنا العربية، بعدما ضاعت البلاد والعباد في أوطان مشحونة بالغضب جراء ذلك الإرهاب الأسود. الفانتازيا ياسادة - بحسب مفهومها الأكاديمي - تعني "تناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة، أو تعد معالجة إبداعية خارجة عن المألوف للواقع المعاش"، كما إنها نوع أدبي يعتمد علي السحر وغيره من الأشياء الخارقة للطبيعة كعنصر أساسي للحبكة الروائية، وهو ما نجح في تقديمه المسلسل الكوميدي السوري "الطواريد" في استدعاء حي من جانب مؤلفه "مازن طه" لفكرة التنافس علي الفاتنة البدوية "وضحة" نسرين طافش، في إطار كوميدي فانتازي ساخر ومشوق، مسكون ببهجة فائقة قادمة من فرط إبداع كاميرا المخرج "مازن السعدي" رغم أنها أولي تجاربه، وقد ساعده المونتاج والديكور في منح "الكادرات" سحر خاص من أول مشهد، داخل حبكة درامية تجمع بين الفكاهة المحببة، ورصد تفاصيل ومعطيات الغزو الثقافي علي جناح طائر التكنولوجيا الذي اجتاح مجتمع البادية، ودونما إخلال بمفهوم "الفانتازيا الكوميديا" جاء المسلسل متجاوزا كل العقبات، رغم تأثير العادات والتقاليد واستبدادها أحيانا، ليصبح شكلا جديدا ربما لم يسبق للدراما السورية أن خاضته من قبل في مجال الكوميديا البدوية، ما عدا حفنة من من تلك اللوحات في "بقعة ضوء" التي قدّمها نجما الكوميديا "أيمن رضا وباسم ياخور" خلال الأعوام الماضية ولاقت نجاحاً لدي الجمهور. وضمن فرضية القبيلة بأسلوبها المغاير الذي يحوي كل مفردات البيئة الصحراوية في أبو ظبي، قدّم "شادي دويعر" سيناريو خفيف الظل يدور في فلك فتاة جميلة، لكنها في الوقت نفسه تحمل سمات الفارس وتجيد القتال بالسيف وتخوض الحرب بشكل جدي، ولقد تجلت في تجسيد ملامح شخصيتها حورية الدراما السورية "نسرين طافش" بأداء تمثيلي مقنع ومؤثر، فهي تظهر أحيانا من خلال ميل إلي الفكاهة والهزل، وأحيانا من خلال ميل إلي الجد والصرامة، ما يؤكد ذكاء الموهبة القادرة علي لعب كافة الأدوار، حتي ولو كانت تتشح بزي بدوي ولهجة خشنة جاءت علي لسانها لينة طيعة علي مسامعنا، محملة بقدر من العذوبة عبر أداء صوتي احترافي وحركة خفيفة جعلتها تبدو كفراشة لعوب في كرها وفرها في قلب ساحات التحدي والمبارزة، لا سيما عيونها التي تحمل بحد ذاتها لغة خاصة تلخص دون خلل كل مايدور بدواخل النفس الإنسانية لدي ساكني بيوت الشعر، ولعل ذلك البريق الآخاذ المستمد من سحرعينيها قد حفز الماكيير للعب بالظلال التي ساهمت في التعبير بصدق عن الفروسية بجميع جوارحها، لتبدو "نسرين" مهرة عربية أصيلة لايقوي علي فتنتها كل فرسان العربان، الأمر الذي مكنها وفريق "الطواريد" من هزيمة "بنات سوبرمان" في عقر دار الكوميديا الباعثة علي البهجة الحقيقية. ولقد برع في الأداء الكاريكاتوري الصعب، كل من محمد حداقي"خلف" وأحمد الأحمد "مهاوش" وأيمن رضا "الضابط" وأندريه سكاف "شاعر القبيلة، ومحمد خير الجراح"تاجر مستغل" فضلا عن تميز واضح ل"مديحة كنيفاتي وجيني أسبر" من حسناوات القبيلة، ويبدو واضحا جدا أن المخرج "مازن السعدي" قد استغل خبرته السابقة ك " مونتير ومصمم جرافيكس" في تقديم صورة تليفزيونية مبهرة ومشوقة، بما يوحي لك أنه قصد أن تكون الصورة معادلاً خيالياً للواقع، بل يصبح الواقع عنده أحياناً صورة شاحبة عن الصورة، فتكون الصورة هي الأساس وليس الواقع، ومن ثم أصبحت الصورة عنده أحياناً تسبق الواقع وتمهد له ، كما بدا في سريانها السريع جدا قفزا علي الأحداث والانتقال الحر المباغت لتهيئة الفرصة لأحداث جديدة في إطار التصعيد الدرامي، وهنا لابد من الإشادة بالجهد الواضح في الإضاءة التي أضفت رونقا وبريقا خاصا علي مجمل العمل. [email protected] لمزيد من مقالات محمد حبوشة