كلما شاهدت مع أبنائى وأحفادى أفلام الزمن الجميل « الأبيض والأسود» كلما حاصرتنى الأسئلة عن حقيقة الصور المبهرة للشارع المصرى التى تعكس الجمال والنظافة والانسجام والانضباط والتحضر على عكس الواقع المعاصر بكل ما يحتويه من فجاجة وازدحام واغتيال للجمال وخنق للهواء ونشر للتلوث والسوقية فى سلوك عابريه.. ودائما يكون ردى على الأبناء والأحفاد.. نعم كان الشارع المصرى فى الزمن الجميل مرآة للصور الأصيلة لسلوكيات الناس وإيقاعا لحياة متزنة سوية... كان الشارع ملكا للناس لا للسيارات ولهم فيه الأولوية... وكان للإيقاع الهاديء لحركة الناس والحياة أثره فى تهذيب السلوك والتعاطف الإنسانى والانتماء الاجتماعى والتواصل الثقافي. كان الشارع المصرى فى الزمن الجميل مصدر إلهام للإبداع بكل صوره التعبيرية والتشكيلية حيث كان التجوال بخطى وئيدة مطمئنة أو الجلوس باسترخاء وتأمل فى صور الحياة وأنماط البشر بما يتيح للأدباء إبداع القصة والرواية والشعر ولفنانى التشكيل والتعبير إبداع الرسم والتمثال أو الموسيقى واللحن والموال. كان للعامة مكانهم فى ساحات الإبداع حيث يتواجدون فى ساحات الموالد بفنونهم التقليدية والشعبية وإبداعاتهم التعبيرية التلقائية يرددون الأهازيج والملاحم والمسرحيات المرتجلة وينشرون ثقافة الترفيه. ثم بدأ الزمن الجميل فى التراجع وتراجعت معه صورة الشارع المصرى بعد أن طغى الانفجار السكانى وتسارعت الهجرة من الريف إلى الحضر فاهتز كيان الشارع الجميل وفقد اتزانه واضطربت معالمه وبهت طابعه.. وبعد أن كانت المنشآت المعمارية على جانبى الشارع صورة تنطق بجماليات الطابع والتوافق والانسجام فقد معظمها بريقه ورونقه خاصة فى وسط العاصمة بسبب إهمال الصيانة وسوء الاستعمال. ودخل عنصر جديد ليسهم فى زيادة القبح حيث احتلت اللوحات والملصقات الإعلانية أرصفة الشوارع وارتسمت على الجدران وتربعت على أسطح العمارات. ومع هذا التلوث البصرى أدى ازدحام البشر وتضاعف سكان القاهرة إلى تلوث بالضوضاء فاق كل المعدلات. خير الكلام: مجتمع بلا فضيلة مثل غابة ليس لها أسوار ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله