معظم الأجيال الجديدة تبدو في حالة اندهاش وهي تتابع علي شاشات الفضائيات وقائع وأحداث ومشاهد الأفلام السينمائية القديمة أو عندما تطالع في المكتبات والمطبوعات المصورة المحفوظة والتي تعكس نظافة المظهر والجمال والانسجام والانضباط والتحضر في الشارع المصري وهو ما يتناقض تماما مع الواقع المعاصر بكل ما يحتويه من فجاجة وازدحام واغتيال للجمال وخنق للهواء, ونشر للتلوث والسوقية في سلوك عابريه. كان الشارع المصري مرآة للصور الأصيلة لسلوكيات الناس وإيقاعا لحياة متزنة سوية حيث كان ملكا للناس لا للسيارات وكان للإيقاع الهاديء لحركة الناس والحياة أثره في تهذيب السلوك والتعاطف الإنساني. كانت مقاهي وسط القاهرة منتديات للفكر والفن.. وكان ينافسها في هذا التألق والإشعاع مقاهي قاهرة المعز حيث كان يطلق علي حي الأزهر والحسين وخان الخليلي ومتفرعاته اسم الحي اللاتيني تشبها بمركز الإشعاع الثقافي والفني في العاصمة الفرنسية باريس. كان الشارع المصري مصدر إلهام للإبداع بكل صوره التعبيرية والتشكيلية حيث كان التجول بخطي وئيدة مطمئنة أو الجلوس باسترخاء وتأمل في صور الحياة وأنماط البشر بما يتيح للأدباء إبداع القصة والرواية والشعر. كان للعامة مكانهم في ساحات الإبداع حيث يتواجدون في ساحات الموالد بفنونهم التقليدية والشعبية وإبداعاتهم التعبيرية التلقائية يرددون الأهازيج والملاحم والمسرحيات المرتجلة وينشرون ثقافة الترفيه لدي بسطاء الناس- أولاد البلد- بأسلوب يعكس صدق وسذاجة تذوقهم وحبهم للفن. ولكن الحال بدأ يتغير منذ منتصف السبعينيات حيث بدأ الاحساس بالجمال في التراجع بعد أن طغي الانفجار السكاني ليصنع تلوثا سمعيا وبصريا أصبح عنوانا لشارع آخر فقد اتزانه واضطربت معالمه وبهت طابعه. و بعد أن كانت المنشآت المعمارية علي جانبي الشارع صورة تنطق بجماليات الطابع والتوافق والانسجام فقد معظمها بريقه ورونقه خاصة في وسط العاصمة بسبب إهمال الصيانة وسوء الاستعمال حيث دخل عنصر جديد ليسهم في زيادة القبح بعد أن احتلت اللوحات والملصقات الإعلانية أرصفة الشوارع واغتصبت نهر الطريق وارتسمت علي الجدران وتسلقت الواجهات وتربعت علي أسطح العمارات. نقلا عن الأهرام