شرعت العقوبات المالية في الإسلام كحل في الكفارات، فهل يمكن أن تصبح بديلا في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فبدلا من أن يصوم الذي أفطر يوم في رمضان شهرين متتابعين أن يطعم 60 مسكينا؟ وهل يمكن أن يتبرع بقيمة هذا المبلغ لأحد أوجه الخير أو الجمعيات ودور الزكاة التي تقوم على رعاية المحتاجين؟ علماء الدين يؤكدون أن من أفطر متعمدا عليه أن يصوم ستين يوما متصلين عن كل يوم أفطره، وأن هذه الكفارة شرعت حتى يعلم المسلم عظمة وقدر فريضة الصيام التي هي ركن من أركان الإسلام، فإن لم يستطع فليطعم ستين مسكينا. وأوضح العلماء أن من خصائص حقوق الله تعالى أنه لا يجوز العفو أو التنازل عنها, أو إلغاؤها, أو استبدالها بغيرها, أو إنقاصها, أو التخفيف في مقدارها. ويقول الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن الذي سنه لنا النبي، صلى الله عليه وسلم، هو أن من أفطر متعمدا فإن عليه أن يصوم مكان اليوم ستين يوما متصلا، فهذه هي كفارة إفطاره ليوم واحد في شهر رمضان، فإن لم يستطع فإن عليه أن يطعم ستين مسكينا، وهذا ما قاله النبي، صلى الله عليه وسلم، وطبقه، على صحابي جليل جامع امرأته في نهار رمضان، وحينما ذهب إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، قال له صم ستين يوما، فأخبر الرجل النبي، بما معناه أنه لم يصبر على صيام يوم واحد، فكيف يصوم ستين يوما متصلة، فأرشده النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى إطعام ستين مسكينا، وإذا أفطر الشهر كله، أو نصفه فمن الممكن أن يأخذ برأي الأحناف في أن يقضي الأيام التي أفطرها، ثم يكفر بكفارة واحدة عن جميع الأيام، أما رأيي في توزيع تلك الأموال بأن يقوم بتوزيعها على أقربائه (وهو أموال الكفارة العظمى)، بإعطائها إلى أقربائه وجيرانه، وأهل بلدته من الفقراء والمساكين، فهؤلاء الناس هم أولى الناس بالصدقة. الصيام أولى وأضاف : إن الله تعالى جعل هذه الكفارات على هذه الهيئة كي يعظم الناس أحكام الإسلام، فمن الناس من يستطيع أن يفطر في رمضان، وأن يقدم فدية لآلاف من الناس، ولا يؤثر ذلك فيه من الناحية المالية، أما إذا علم أنه سيصوم عن اليوم ستين يوما، فإنه حينئذ يعرف عظمة ما فرضه الله عز وجل على العباد، فإذا ما انتقلنا من الصيام للعجز عنه إلى الناحية المالية، فإنه حينئذ ينتفع الفقراء والمساكين بهذه الكفارات المتعددة من كفارة اليمين ومن كفارة الظهار ومن كفارة الإفطار في شهر رمضان متعمدا، وكذلك النذور المالية التي ينذرها الإنسان. المتأولون ووصف الدكتور رمضان عبدالعزيز عطاالله، رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين، بجامعة الأزهر، الذين يستخدمون أسلوب الفدية دون وجه حق، وتكون صحتهم قوية وليس لهم حق الرخصة بأنهم (المتأولون) أي أصحاب الحيل غير الشرعية، ولقد اختار الله شهر رمضان دون غيره من شهور السنة لأداء فريضة الصيام فيه، وذلك بأن الله شرفه بإنزال القرآن الكريم، فقال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، وفي الآيات التي تتحدث عن فريضة الصيام نجد أن المولى تبارك وتعالى قد رخص لفئة من الناس دون غيرهم في الفطر وهم المرضى والمسافرون، وبين أن عليهم عدة من أيام أُخر، وإذا لم يستطيعوا الصيام للمرض الشديد، أو غير ذلك، فعليهم الفدية، وهؤلاء وحدهم هم الذين أبيح لهم هذا الأمر، أما الذين يقدرون على الصيام ولا يصومون ثم يقومون بإخراج الفدية، بحجة أن هذا فيه مصلحة للفقراء والمساكين وأن هذا مما يساعد في حل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الكثير من الناس، فهؤلاء قد ابتعدوا عن الصواب والحق، وهم أصحاب حيل غير شرعية، وهذه الحيل غير مقبولة شرعاً. وفي سياق متصل أكد الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن من خصائص حقوق الله تعالى أنه لا يجوز العفو أو التنازل عنها, أو إلغاؤها, أو استبدالها بغيرها, أو إنقاصها, أو التخفيف في مقدارها, ولا يملك أحدا ذلك بسياسة شرعية أو غيرها, وإنما يعاقب من أفطر في نهار رمضان متعمدا بالجماع, بصيام شهرين متتابعين, فإن عجز عن صيامها أطعم ستين مسكينا, فإن كان تعمد فطره بغير الجماع, فإن لولي الأمر أو نائبه أن يعذر المتهاون في ذلك بما يراه مناسبا له, بضربه أو حبسه أو تغريمه, أو نحو ذلك من عقوبات, وفي ذلك كله يجب القضاء في حق من أفطر, إن كان قادرا على القضاء, ولما كانت حقوق الله تعالى واردة على سبيل الحصر بنصوص الشرع, فلا يجوز التزيد فيها, ولذا فلم يرد نص يوجب تغريم من أفطر بغير الجماع بإطعام ستين مسكينا, وهو رأي لبعض السلف مستنده ضعيف, ولا يسوغ القياس في العقوبات, أو تشريعها بالرأي أو دليل العقل, وكذلك الكفارات, فمن خصالها ما هو صيام, ومنها ما هو إطعام, وفي كل جرم يوجبها جعل الصيام أول خصال الكفارة, باعتباره عقوبة رادعة في حق مرتكب الجرم, بحيث لا ينتقل من الصيام إلى الإطعام إلا عند العجز عن الصيام, وهذا وارد في كفارة الفطر بالجماع في نهار رمضان, وفي كفارة الظهار, باستثناء كفارة الحنث في اليمين, حيث جعل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم هي الخصلة الأولى, فإن عجز عنها انتقل إلى الصوم, وباستثناء أيضا كفارة القتل, حيث يجب صيام شهرين متتابعين عند العجز عن عتق الرقبة, وكل ذلك منصوص عليه بنصوص قطعية الثبوت والدلالة.