تشهد العلاقات بين تركيا وأوروبا توتراً متزايداً ناجماً عن إثارة مخاوف أوروبية من تدفق ملايين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبى حيث تتدهور العلاقات بين تركيا وألمانيا وبروكسل وقضية الهجرة فى وقت يتعاظم فيه الخوف لدى النخبة والشعوب الأوروبية من تعاظم الميول الاستبدادية لدى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بما فى ذلك الحملة المتواصلة للقضاء على خصومه السياسيين و تعزيز قبضة حكمه أمام أى معارضة قد يراها تعوق مشروع تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي. وفى هذا الإطار صدر أخيرا عن الهيئة المصرية العامة كتاب بعنوان: « العلاقات التركية الأوروبية : الأبعاد المفاوضات الإشكاليات «للدبلوماسى المصرى بوزارة الخارجية الدكتور احمد مجدى السكرى والذى يسلط الضوء على العديد من القضايا التى أثرت على مسار العلاقات بين تركيا وأوروبا خلال العقود الماضية والتى مثلت معضلات مزمنة أمام تطور تلك العلاقات. فى حين تمحورت العلاقات التركية الأوروبية حول سعى تركى حثيث لكى تصبح عضواً فى الأسرة الأوروبية بهدف تقوية اندماجها مع الغرب وفقا للمشروع التحديثى الذى تبناه مصطفى كمال أتاتورك والذى مازالت الحكومات التركية المتعاقبة حريصة عليه على اختلاف توجهاتها. ويستعرض المؤلف فى كتابه ان العلاقات بين تركيا وأوروبا ظلت تتسم بالتعقيد والتشابك الذى فرض حالة من عدم الوضوح حول مسار تلك العلاقات. وهو ما جعل من المتعذر على الدول الأوروبية اتخاذ موقف موحد تجاه تركيا. حيث اتسمت الاستجابة الأوروبية لمساعى أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى عبر مراحله المختلفة بالبطء والتردد ويؤكد المؤلف وجود عدة ملفات سوف تكون صعبة فى التفاوض بين تركيا والاتحاد الأوروبى وتتعلق بمجالات الزراعة والتعليم والعدالة وحقوق الإنسان وتوسيع الحريات العامة والصحفية بشكل خاص خاصة فى ضوء تأثير ذلك مباشرة على النظام التركي، حيث كلما ازدادت حرية الصحافة فى تناول الأوضاع فى تركيا فسوف تزداد وتيرة الانتقادات التى توجه لحزب العدالة والتنمية وهو ما سيمثل إضعافاً للنظام القائم. وعلى حين ظل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى أحد الهواجس التركية التى مثلت تحدياً لها،فقد استطاعت أنقرة بنجاح البقاء على تواصل مع أوروبا من ناحية، وفى نفس الوقت عملت على التحرك فى دوائر أخرى لتوسيع قدراتها التفاوضية مع أوروبا التى استمرت منقسمة بين فريق مؤيد وآخر معارض لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، بما يشير إلى استمرار غياب الثقة بين الطرفين، حيث إن مخاوف الاتحاد الأوروبى من انضمام تركيا تفوق حاجة الاتحاد لها فى التعامل معا للتحديات التى تواجهها أوروبا. ويكشف المؤلف عن أن هناك إدراكا أوروبيا متزايدا بأن هناك نقطة ضعف رئيسية فى الملف التركى للانضمام وتتمثل فى عدم اكتمال تجربة التحول الديمقراطى التركى بالشكل الكافى الذى يطمئن الاتحاد الأوروبى وبالرغم مما تشهده تركيا منذ ما يزيد على العام من جدل واسع على مختلف الأوساط والأصعدة،لبحث الخيار الذى طرحه حزب العدالة والتنمية الحاكم، فى التحوّل من نظام الحكم البرلمانى إلى النظام الرئاسى وهو الهدف الذى يسعى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان جاهداً لتحقيقه بالرغم مما قد يعترض ذلك من صعوبات داخلية وخارجية تتراوح بين مخاوف تركية ، عبرت عنها أحزاب المعارضة . إشكالية ملف حقوق الإنسان والحريات العامة ظل ملف حقوق الإنسان مشكلة كبيرة بالنسبة لتركيا وذلك فى ضوء المشكلات ذات الطابع القومى والطائفى فى داخل الواقع الداخلى التركى بأقلياته القومية والدينية والطائفية وتمايز المشروع الخاص بحزب العدالة والتنمية الحاكم عن المشروع الذى تبنته النخب العلمانية . الوضع الاقتصادى والعامل الديموجرافى والامن على الرغم من كون الاتحاد الأوروبى سوق التصدير الرئيسية للمنتجات الزراعية والصناعية التركية وحاجة أنقرة إلى استيراد السلع الرأسمالية من الاتحاد الأوروبى من أجل عملية التنمية والتحديث الاقتصادى وكون أوروبا أحد المنافذ المهمة لملايين العمال الأتراك من الشباب، إلا أن هناك مخاوف بوجود أعباء اقتصادية ومالية ضخمة من انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى كما أن النمو الديموجرافى الضخم لتركيا والذى من المتوقع أن يبلغ 100 مليون نسمة بحلول عام 2050 ، سوف يعطى تركيا قوة تصويتية كبيرة داخل المجلس (مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي) وأكبر عدد من المقاعد داخل البرلمان الأوروبي، ناجمة عن كونها ثانى أكبر عضو فى الاتحاد كما ان هناك مخاوف أوروبية بشأن أمن الحدود بين تركيا والدول المجاورة لها مثل إيران والعراق وسوريا، خاصة فى ضوء ما تشهده تركيا من اضطراب علاقاتها بتلك الدول وغيرها من دول الجوار المباشر وغير المباشر وارتباط ذلك بقضية الهجرة غير الشرعية. فى ضوء ما سبق يتوقع المؤلف أن تتسم عملية انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبى بمزيد من التعقيدات والصعوبات المستقبلية مقارنة بما شهدته عملية انضمام دول شرق ووسط أوروبا إلى الاتحاد فى مايو من العام 2004. وفى حين أعلنت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى التى تولتها لوكسمبورج فى النصف الثانى من العام 2015 فى بروكسل فى 14 ديسمبر عن استئناف مفاوضات انضمام تركيا وفتح فصل جديد من هذه المفاوضات وهو الفصل رقم 17 ويتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية من فصول التفاوض بين الاتحاد الأوروبى وتركيا