هناك بعض المخاوف الاوروبية من تداعيات انضمام تركيا علي الاقتصاد الاوروبى فى ضوء وجود نقاط ضعف فى الاقتصاد التركى رغم امتلاك تركيا لقطاع خاص مازالت الدولة هى اللاعب المهيمن فى الصناعات الاساسية والخدمات المصرفية والنقل والاتصالات منذ انطلاقها الرسمى فى الثالث من أكتوبر 2005، شهدت مفاوضات انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبى العديد من التطورات ذات التأثير ليس فقط على مسار العلاقات التركية الأوروبية، بل وعلى كل من طرفى التفاوض " تركيا من ناحية والاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى . فهناك إجماع لدى كافة المراقبين والمسئولين من الجانبين التركى والأوروبى بأن عملية التفاوض التركية الأوروبية مازالت بعيدة عن تحقيق هدفها، حيث تعتبر مسيرة التفاوض التركية الأوروبية هى الأطول فى تاريخ توسيع الاتحاد الأوروبى بمراحله المختلفة . ولعل ما تشهده المفاوضات منذ شهر يوليو 2012 من جمود فى وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبى تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة أزمة منطقة اليورو أكبر دليل على الأهمية الكبيرة التى يحتلها الملف الاقتصادى فى تحديد ليس فقط مسار المفاوضات ومخرجاتها بل كذلك مستقبلها سواء على صعيد الاقتصاد التركى أو على صعيد الاقتصاديات الأوروبية ذاتها . خاصة فى ضوء المخاوف الأوروبية من تأثير ضعف الاقتصاد التركى على فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى . وفيما يتعلق بتقييم ملف انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، تقوم المفوضية الأوروبية ببحث مدى التقدم الذى تحرزه فى التوافق مع التشريعات الأوروبية بشأن خمسة وثلاثين ملفا، ومن بينها ملفات ذات طبيعة اقتصادية وتجارية ومالية، وهى الملفات السادس عشر حول السياسة الضريبية، والملف السابع عشر حول السياسات الاقتصادية والنقدية، والملف العشرون حول الشركات والسياسة الصناعية، والملف الثانى والثلاثون الرقابة المالية . والملف الثالث والثلاثون التدابير الاحتياطية المالية والمتعلقة بالميزانية . وهناك عدد من المؤشرات التى تدفع إلى القول إن توجه تركيا نحو الاتحاد الأوروبى هو توجه اقتصادى بالأساس وذلك فى ضوء أهمية العوامل الاقتصادية لتركيا خاصة بعد أن تأسس الاتحاد الأوروبى عام 1993، وذلك لأسباب عدة، منها يمثل الاتحاد الأوروبى سوق التصدير الرئيسى لمجمل المنتجات الزراعية والصناعية التركية . أهمية الاتحاد الأوروبى فى تزويد تركيا بالسلع اللازمة للتنمية والتحديث الاقتصاديين، حيث تسعى تركيا إلى زيادة الاستثمارات الأوروبية والأجنبية الأخرى، وهو الأمر الذى يمكن أن يتحقق إذا ما أصبحت تركيا عضواً كامل العضوية فى الاتحاد الأوروبي . فقد زادت نسبة الاستثمارات الخارجية فى تركيا، خصوصاً بعد أن تم التفاوض حول مسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى . أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى يوفر للأيدى العاملة حرية أكبر فى الانتقال إلى دول أوروبا الأخرى، إذ يريد الكثير من الأتراك الاستفادة من فرص العمل الموجودة فى الدول الأوروبية . فحوالى 70% منهم يظنون أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى سوف يحل مشكلاتهم الاقتصادية ويوفر لهم فى الوقت نفسه حرية أكبر فى انتقال رءوس الأموال من دول الاتحاد الأخرى، وبالعكس، مما يسهم فى تنمية الاقتصاد التركى، ويقلل من نسبة البطالة . واذا كان العامل الاقتصادى نفسه هو أحد الأسباب الرئيسية التى أعاقت ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، فقد كان كذلك وراء اتخاذ قرار بشأن الموافقة على بدء التفاوض مع تركيا وذلك حينما قررت القمة الأوروبية فى لوكسمبورج فى 17ديسمبر 2004تحديد موعد 3 أكتوبر 2005 موعداً لبدء المفاوضات مع تركيا حول مسألة العضوية . وبنظرة متمعنة لطبيعة هيكل الاقتصاد التركى نجد أن هناك بعض المخاوف الاوروبية من تداعيات انضمام تركيا على الاقتصاد الاوروبى فى ضوء وجود العديد من نقاط الضعف فى الاقتصاد التركى وهى أن الاقتصاد التركى ذو طبيعة زراعية بالاساس، حيث تعتبر تركيا دولة كبيرة فى مجال الزراعة والصناعات المرتبطة بها على مستوى العالم لقد كانت تركيا عند اعلان الجمهورية فى عام 1923دولة زراعية بالكامل، ويعمل بقطاع الزراعة 40% من سكانها " مقارنة ب 2% فى بريطانيا" وتزداد النسبة فى المناطق الريفية الى 15مليون شخص وهو الرقم الاكبر من مجموع سكان عدد من الدول الاعضاء فى الاتحاد الاوروبى وأكبر خمس مرات من مجموع سكان بعض الاعضاء التى انضمت للاتحاد فى الأول من مايو 2004مثل سلوفينيا واستونيا، وكذلك بعض الاعضاء المستقبليين المرشحين للانضمام للاتحاد الاوروبى وسيتطلب تحويل هذا العدد من السكان من العمل فى القطاع الزراعى الى العمل فى مجالات النشاطات الاقتصادية العصرية الفعالة اجراء تعديلات هائلة فى البنية الاساسية التركية بالاضافة الى الوقت الطويل المطلوب لانجاز ذلك . اتسام تركيا بتباينات اقليمية واسعة ما بين القطاع الزراعى التقليدى ومزيج من الصناعة الحديثة والتجارة، مما يلقى بتحد هائل أمام الاتحاد الاوروبى حيث إنه بالرغم من تمتع مدن اسطنبول وأنقرة بمعايير حياة ومستويات رفاهية مقارنة لما فى أوروبا الغربية فان معظم سكان وسط وشرق الاناضول من الفلاحين ومعايير حياتهم أقل بكثير من حيث المستوى ومع الضعف الذى اصاب حزب العمال الكردستانى فقد بدأت الحكومات التركية العمل على تشجيع الاستثمارات الخاصة بشكل أكبر فى جنوب شرق الاناضول . أن انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبى قد يؤدى الى هجرة جموع كبيرة من الايدى العاملة التركية الى اوروبا وهو الامر المرشح للزيادة مع زيادة معدل نمو سكان تركيا الذى وصل الى أكثر من 72مليون نسمة عام 2009وهو ما يفوق عدد سكان دول وسط وشرق اوروبا مجتمعة وقت انضمامها للاتحاد الاوروبى فى 1مايو 2004، كما أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان تركيا عام 2025الى 92مليون نسمة، أما على صعيد معدل النمو السكانى فى تركيا فيصل الى أكثر من 0.90% بما يفوق عشر مرات معدلات النمو السكانى فى كافة الدول الاعضاء فى الاتحاد الاوروبى بالاضافة الى وجود مخاوف اوروبية من مزاحمة الصناعات والمنتجات التركية للمنتجات الاوروبية . ضعف مستوى الدخل الفردى، حيث إن مستويات الدخل فى تركيا هى دون ما عليها فى أوروبا الغربية بدرجة كبيرة، ويبلغ الدخل الفردى من اجمالى الناتج المحلى الاجمالى حوالى 3000دولار أمريكى، وهذا ما يعد بدرجة كبيرة دون دخل افقر دولة فى قارة أوروبا . العجز الذى يشهده القطاع العام التركى، حيث يصل العجز المالى فى القطاع العام التركى الى حد كبير يبلغ ما بين 35 45% من اجمالى الناتج المحلى الاجمالى التركى بسبب نقاط الضعف الموجودة فى بنية القطاع المالى التركى مما جعل تنافس المصارف التركية صعبا مع المصارف الاخرى فى الاتحاد الاوروبي . تباطؤ عملية الخصخصة فى تركيا فعلى الرغم مما بذلته تركيا منذ أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، من جهود رئيسية فى خصخصة المشاريع التى تمتلكها الدولة، فإن سرعة الخصخصة كانت بطيئة، وهو ما يمكن ارجاعه الى النقص فى التشريعات الضرورية الخاصة بها التى لم تمرر كاملة بالاضافة الى أن عدم وجود الشفافية فى صنع القرار داخل مؤسسات صنع القرار المسئولة عن عمليات الخصخصة أسفر عن نطاق واسع من عمليات الاحتيال والرشوة والفساد الذى يعد واحدا من العوائق الرئيسية أمام نمو الاعمال التجارية فى تركيا وأمام الاستثمارات وعمل الشركات الاجنبية فى تركيا كما أنه بالرغم من امتلاك تركيا لقطاع خاص فإنه ماتزال الدولة هى اللاعب المهيمن فى الصناعات الاساسية والخدمات المصرفية والنقل والاتصالات . تعقيد اجراءات تأسيس الشركات ومتطلبات الحصول على التصاريح ووجود أكثر من نموذج لتسجيل الشركة . وبالرغم مما تشهده العلاقات التركية الاوروبية من توترات من حين لاخر بسبب الخلافات حول موقف الاتحاد الاوروبى من ملف مفاوضات انضمام تركيا وهو ما ادى الى توقفه فعليا خلال الفترة من ديسمبر 2006 وحتى اليوم بسبب المعارضة القوية التى ابداها عدد من الدول الرئيسية فى الاتحاد، وفى مقدمتها فرنسا فى عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزى وألمانيا بالاضافة الى الاخفاق فى ايجاد حل مقبول للخلاف حول جزيرة قبرص المقسمة التى تتمتع بعضوية الاتحاد الاوروبى وتلعب دورا فى الاعتراض على فتح فصول للتفاوض مما يؤدى فعليا الى عدم تحرك مسار المفاوضات للامام . الا انه فى التقدير ان المشكلة الرئيسية تتمثل فى اتسام المفاوضات التركية الاوروبية بعدم الفعالية نتيجة عدم اتفاق الطرفين على الهدف الرئيسى من المفاوضات الذى ترك مفتوحا وغير واضح ما اذا كان يتمثل فى التفاوض حول انضمام تركيا كعضو كامل فى الاتحاد الاوروبى ام فى تطوير صيغة العلاقات لتصبح علاقات شراكة متميزة بالاضافة الى اختلاف وجهات النظر حول توقيت الانضمام فى حالة حدوثه وهو الامرالذى يرتبط بالتقدير الزمنى لانتهاء التفاوض حول كافة ملفات التفاوض . وفى التقدير ان الاتحاد الاوروبى وبالرغم مما يشهده مسار المفاوضات مع تركيا من جمود سيحرص على تحريك المفاوضات مع مطلع العام القادم، وذلك للاسباب التالية الاول ما اوضحته التجربة من تحسن ملحوظ فى اداء الاقتصاد التركى خاصة خلال الازمات الاقتصادية الاوروبية فبالرغم من تعمق ازمة الديون السيادية فى منطقة اليورو التى مثلت تحديا كبيرا لتجربة الاندماج الاوروبى نفسه فان ذلك لم يكن له تأثير على الاقتصاد التركى وهو ما يلاحظ من الاداء الجيد لتركيا خلال فترة الازمة الاقتصادية الاوروبية وحسن ادارة المصارف التركية بما جعلها اكثر استعدادا للتعامل مع التداعيات المحتملة للازمة التى ضربت العديد من الدول الاوروبية وبالتالى استطاعت تركيا الخروج منها اسرع من الاقتصاديات الاوروبية فى الوقت الذى كانت تدار فيه المصارف الاوروبية بشكل سيئ انعكس على قدرة الدول الاوروبية على مواجهة تداعيات الازمة المالية المتفاقمة ولهذا لم تعان تركيا مثل اغلب الدول الاوروبية من عجز فى الميزانية بل نجحت تركيا خلال الازمة فى ادارة التمويل العام بشكل جيد كما نجح الاقتصاد التركى فى استمرار معدل النمو الاقتصادى . الثاني استمرار سياسة توسيع الاتحاد الاوروبى بالرغم من الازمات المالية التى يشهدها اقتصاد منطقة اليورو . الثالث ان هناك ادراكا متناميا لدى مسئولى دول الاتحاد الاوروبى لاهمية عدم غلق مفاوضات انضمام تركيا بطريقة سلبية حيث اعرب وزير الخارجية الالمانى جيدو فيسترفيله خلال حفل افتتاح مقر السفارة التركية الجديد فى العاصمة برلين عن تصميم بلاده على الانطلاق فى بداية جديدة، ان هذا التلكؤ سيئ للطرفين ونحن مصممون على الانطلاق فى بداية جديدة للتغلب على الجمود الذى تشهده المفاوضات . . باحث في الشأن التركي