رغم التقارب التركى مع العرب، الذى بدأته حكومة رجب طيب أردوغان «الإسلامية»، إلا أن حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، ظل يراود أنقرة، التى ظهرت خلال الفترة الأخيرة، كما لو أن الحلم قد تحول من الغرب إلى الشرق، وفى سبيل تحقيق هذا الحلم، خضعت تركيا لكل الضغوط والشروط والمطالب الأوروبية، حتى لو كانت هذه المطالب تتعارض مع الشريعة الإسلامية، التى يرعاها أردوغان بعد عامين من فوز حزبه العدالة والتنمية فى الانتخابات البرلمانية فى عام 2002، فبعد وصوله إلى السلطة بدأ فى إعداد قانون يجرم الزنى، وهو المشروع الذى أثار انتقادات أوروبية ضدها، فى وقت كان الاتحاد الأوروبى يستعد فيه لإعلان قراره بشأن فتح باب المفاوضات مع تركيا لضمها إلى الاتحاد الأوروبى، فقد صرح جونتر فيرهيجن مفوض التوسع فى الاتحاد الأوروبى، بأن الخطط التركية الرامية إلى اعتبار الزنى جريمة، قد تؤثر على التغييرات التى تجريها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. وحذر المفوض الأوروبى من أن البعض قد يرى أن مشروع قانون تجريم الزنى يمثل إقحاما للشريعة الإسلامية فى القانون التركى، كما انتقد وزير الخارجية البلجيكى فى ذلك الوقت، كاريل دى جوشت، مشروع القانون، قائلا إن «القانون المقترح من جانب أنقرة لا يتفق مع تطلعاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى»، مضيفا أن التشريع المقترح يتعارض مع القيم الأوروبية. وكان رئيس الوزراء التركى أردوغان قد صرح بأن مشروع القانون سيحمى النساء من الخداع، مع العلم أن الزنى كان جريمة فى تركيا حتى عام 1996، عندما أوقفت المحكمة الدستورية العمل بالقانون، باعتباره يمثل تمييزا بين الرجال والنساء فى الحكم، لأن العقوبة على المرأة كانت أكبر منها على الرجل. وأمام الضغوط الأوروبية، قرر رجب طيب أردوغان إلغاء مشروع القانون، معلنا التخلى عن محاولة تجريم الزنى، بعدما تسبب المشروع أيضا فى إثارة غضب الجماعات المدافعة عن حقوق المرأة، فصرح أيوب فاتسا نائب رئيس الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية فى البرلمان، فى ذلك الوقت، قائلا: «حتى إذا تقدم نائب بشكل مستقل باقتراح لتجريم الزنى سنتجاهله». وفى سياق تنفيذ الالتزامات والشروط، كان البرلمان التركى قد أقر سلسلة من الإصلاحات السياسية والديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية، من أهمها التعهد بتغيير قانون الانتخابات والأحزاب السياسية، وزيادة مساحة حرية الرأى والتعبير، وإنهاء الاعتقالات السياسية بسبب الرأى أو الأفكار السياسية المعارضة، والسماح باستخدام لغات غير تركية، مثل الكردية والعربية، فى وسائل الإعلام، وتعليم هذه اللغات فى المدارس العامة والخاصة، ولكن تحت إشراف الدولة، وتخفيف القيود على أنشطة المنظمات الطلابية والشبابية، وعدم حظر نشاط أى حزب سياسى، أو إغلاق مقاره بسبب آرائه السياسية، وإلغاء عقوبة الإعدام إلا فى أوقات الحرب والطوارئ، واستبدالها بعقوبة مشددة. كما أقر البرلمان التركى منح حقوق للأقليات الدينية غير المسلمة، مثل السماح بامتلاك أوقاف وأموال خاصة بدور العبادة، وحرية التملك وشراء العقارات فى البلاد، وتعديل قانون الصحافة والمطبوعات، والسماح بتنظيم مسيرات وتظاهرات سلمية، وفرض عقوبات رادعة على عمليات تهريب الأفراد، وهو ما يخفف من قلق الأوروبيين بالنسبة إلى تزايد ظاهرة الهجرة غير المشروعة، والتى كانت تتدفق عبر حدود تركيا وسواحلها الطويلة، وإيقاف إجراء عمليات التوقيف والاعتقال بدون إذن قضائى، وإعادة محاكمة من تحكم لصالحه محكمة حقوق الإنسان الأوروبية فى تركيا. وإلى جانب الإصلاحات القانونية والسياسية التى أقرها البرلمان التركى، اتخذت الحكومة عددا من القرارات الاقتصادية لإقناع الاتحاد الأوروبى بإعادة فتح باب المفاوضات من جديد، حول قبول عضويته فى الاتحاد، ومن بين تلك القرارات، تعيين كمال درويش، المحسوب على التيار الموالى للغرب، وزيرا للاقتصاد، مع رضوخ الحكومة لشروطه وبرنامجه الإصلاحية، وذلك بعد أن قدم صندوق النقد الدولى لتركيا تسهيلات ائتمانية بقيمة 16 مليار دولار فى عام 2001، على خلفية انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار بنسبة 50٪، ووقتها تم فصل البنك المركزى عن سيطرة الحكومة، وتعويم العملة المحلية، لتستطيع البنوك تقديم التسهيلات، كما تم بيع عدد من البنوك العامة، ودمج البعض الآخر، بالإضافة إلى خصخصة بعض الصناعات، وتم القضاء على احتكارات أخرى، وإصلاح القطاع الزراعى، وتقليص حجم العمالة فى القطاع العام. ورغم ترحيب الاتحاد الأوروبى بهذه الإصلاحات التشريعية والاقتصادية، إلا أنه اعتبرها لا تفى بالمستوى المطلوب وفق معاييره، وراح يماطل فى تحديد موعد رسمى لبدء مفاوضات ضم تركيا، ولكن مع رضوخ حكومة أردوغان لجميع الضغوط الأوروبية، بما فى ذلك التراجع عن تجريم الزنى، اتخذ الاتحاد الأوروبى قرارا فى نهاية عام 2004 بفتح المفاوضات مع تركيا. وتضم محاولات تركيا القوية للانضمام للاتحاد الأوروبى الكثير من المراحل التى مرت بها، وطوالها كانت أنقرة تقدم موافقتها على الشروط الأوروبية، فقد تقدمت بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى فى عام 1987، رغم أنها عضو منتسب فى الاتحاد منذ عام 1963، وإلى جانب العشر دول المؤسسين، فإن تركيا كانت من أوائل البلدان التى تنضم لعضوية المجلس الأوروبى فى عام 1949، كما أنها تعد من الأعضاء المؤسسين لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى عام 1961، وعضو مؤسس فى منظمة الأمن والتعاون الأوروبى فى عام 1973، كما أنها تعد عضوا منتسبا فى اتحاد أوروبا الغربية منذ عام 1992، ووقعت على اتفاق الاتحاد الجمركى الأوروبى فى عام 1995، وشهدت قمة هلنسكى فى عام 1999، أول خطوة حقيقية فى العلاقات التركية- الأوروبية، بعد اعتراف الاتحاد الأوروبى رسميا بتركيا كمرشح لعضوية كاملة. وجاءت الخطوة الكبيرة التالية فى ديسمبر عام 2002، مع انعقاد القمة الأوروبية فى العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، والتى تم خلالها إقرار إمكانية فتح باب التفاوض مع تركيا دون إبطاء، فى حالة اتخاذ الاتحاد الأوروبى قرارًا بفتح باب المفاوضات فى قمة ديسمبر 2004، وهو القرار الذى سيتم اتخاذه بناء على مدى التزامها بمعايير وشروط الاتحاد، وبالفعل تم اتخاذ القرار بفتح باب المفاوضات فى أكتوبر 2005. وتعرضت محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى منذ ذلك الحين لعدد من المشاكل الداخلية والخارجية، حيث أعلنت النمسا وفرنسا عزمهما إجراء استفتاء حول انضمامها، كما بقيت قضية قبرص عقبة رئيسية أمام المفاوضات التى تم تجميدها فى عام 2006