على مدى يومين ناقش مسئولون ينتمون لأكثر من 35 دولة إفريقية مع مسئولين من وزارات الخارجية والتجارة والمالية الصينية فى بكين مستقبل التعاون الإعلامى بين الصين والقارة السمراء، باعتباره إحدى أدوات التقارب بين الشعوب وتبادل الثقافات والخبرات، ونقل صورة حقيقية مباشرة عن كل طرف للآخر بعيدا عن تحيزات الإعلام الغربي. هذا الملتقى الصيني- الإفريقى جرى تحت شعار «تعميم التليفزيون الرقمى والتمتع بالحياة الذكية»، وهو اللقاء السنوى السادس من نوعه حول تطور التليفزيون الرقمى فى إفريقيا، حيث انطلق الأول عام 2011، وشهدت هذه السنوات مزيدا من الاستثمارات الصينية لمساعدة الدول الإفريقية جنوب الصحراء فى استخدام التكنولوجيا الرقمية فى البث الإذاعى والتليفزيوني، لمواكبة التطورات العالمية فى هذا المجال، وسهولة الوصول إلى الجماهير الإفريقية عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة. وفى كلمته بالجلسة الافتتاحية للملتقى أكد شين شينج بانج، رئيس مجلس إدارة مجموعة ستار تايمز الإعلامية الصينية، أن تطور التعاون الإعلامى بين الصين وإفريقيا يأتى فى إطار اتفاق القادة الأفارقة والصينيين خلال قمة منتدى التعاون الصينى الإفريقى «الفوكاك»، التى عقدت فى مدينة جوهانسبرج عاصمة جنوب إفريقيا فى ديسمبر الماضي، وما أعلنه الرئيس الصينى شى جين بينج من دعم بلاده للتبادل الإعلامى بين الصين وإفريقيا، باعتبار الإعلام أحد أهم الوسائل الحديثة للتعارف بين الشعوب، وإحدى أدوات ما يسمي «الدبلوماسية الشعبية» لتبادل الثقافات. وأوضح شين شينج بانج أنه على سبيل المثال فإن نقل مباريات الدورى الصينى للمشاهد الإفريقى لا يتوقف عند توفير متعة مشاهدة كرة القدم، لكنه يتجاوزه إلى التعريف بطريقة الحياة والثقافة الصينية من خلال مشاهدة الجماهير بالملاعب وتعامل اللاعبين مع بعضهم البعض، وأيضا من خلال برامج التحليل الرياضى للمباريات والإعلانات التى تتخللها، موضحا أن أحدث الاتفاقات التى تم توقيعها للتعاون مع دول من إفريقيا والعمل بها كانت مع غانا وإثيوبيا وزيمبابوي. وأشار إلى أن مجموعته الإعلامية تعمل الآن فى أكثر من 32 دولة إفريقية جنوب الصحراء، من خلال أكثر من 40 قناة فضائية تقدم الرياضة والدراما والأخبار والبرامج المختلفة بعدة لغات منها لغات ولهجات إفريقية محلية مثل «الهاوسا» و»السواحيلية»، باستثمارات تتجاوز ال7 مليارات دولار، بالإضافة إلى اتفاقات التعاون التى تم توقيعها مع التليفزيونات المحلية فى الدول الإفريقية، حيث يجرى تبادل الخبرات والمواد الإعلامية، ويتم تقديم مسلسلات الدراما الصينية المدبلجة لعرضها فى التليفزيونات الحكومية الإفريقية باللغات المحلية. وتتواكب هذه الاستثمارات الصينية فى مجال الإعلام بإفريقيا مع نمو العلاقات بين بكين ودول القارة الإفريقية، خصوصا فى المجال الاقتصادي، حيث تعمل الشركات الصينية فى إفريقيا بقوة الآن فى مشروعات كثيرة ومتنوعة بمجالات التصنيع والنقل والبناء وشق الطرق السريعة وإنشاء السكك الحديدية والمطارات لربط دول القارة بعضها ببعض، ويصاحب هذه المشروعات زيادة فى انتشار معهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية، حيث يقبل الأفارقة من جيل الشباب على دراستها للحصول على فرص عمل جيدة فى الشركات الصينية العاملة ببلادهم، كما زادت الصين عدد المنح الدراسية للشباب الأفارقة لاستكمال دراساتهم فى جامعاتها. وتعتبر الصين أن التعريف بمفردات ثقافتها وفنونها وتاريخها أحد أهم وسائل تقديم صورة حقيقية عنها، بعيدا عن الصورة التى تعتبرها «غير أمينة» والتى يبثها الإعلام الغربى ويركز خلالها على ما يخدم توجهات بلاده، ولتحقيق هدف نقل صورة قريبة واقعية تنظم بكين عددا من برامج التعاون مع الدول الإفريقية فى مجال الصحافة والإعلام وتستقبل الصحفيين الأفارقة للتعرف على الصين، من خلال إقامتهم لفترات تمتد أحيانا إلى عام كامل يتعايشون خلاله مع الشعب الصيني، ويلتقون كبار المسئولين. وخلال كلماتهم بالملتقى شكر المسئولون الأفارقة الصين على تعاونها مع دول القارة فى العديد من المجالات ومنها الإعلام، وقالوا إن الصين جاءت إلى إفريقيا للاستثمار فى الوقت الذى اعتبرتها الدول الغربية وجهة غير آمنة لاستثماراتها، وبعد سنوات من نهب تلك الدول لموارد القارة السمراء الطبيعية لم تكلف أى منها نفسها عناء مساعدة الشعوب الإفريقية على توفير حياة كريمة. وقارن المسئولون الأفارقة المشاركون فى الملتقى السادس لتطور التليفزيون الرقمى بإفريقيا بين طبيعة الاستثمارات الصينية فى دول القارة وما كانت تقيمه الدول الغربية من مشروعات بها خلال الحقبة الاستعمارية، حيث اعتبروا أن المشروعات الصينية تسير فى اتجاه تنمية القارة الإفريقية، من خلال ربطها بشبكة طرق سريعة، وخطوط سكك حديدية، ومطارات حديثة، بالإضافة إلى بناء المناطق الصناعية التى توفر فرص العمل للمواطنين الأفارقة، بينما كانت مشروعات الدول الغربية الاستعمارية تركز على نقل الموارد الطبيعية فى صورتها الأولية إلى تلك الدول، وهو ما كان يستنزف اقتصاد إفريقيا ويمنع تقدمها وتنميتها. وفى ختام الملتقى أكد المسئولون الصينيون والأفارقة ضرورة مواصلة التعاون بين الجانبين فى مجال الإعلام، والتواصل المباشر دون وسيط لنقل صورة حقيقية عن كل طرف للطرف الآخر، يسهم الإعلام فى تطوير التعاون على المستويين الاقتصادى والسياسي.