التعليم هو الطريق الأمثل لنهضة الدول, وهذا ما أدركه محمد علي باشا عندما تولي حكم مصر بداية القرن التاسع عشر, وعلي الرغم من أنه كان أميا لايقرأ ولايكتب إلا أنه استفاد من مكانة الازهر الشريف وأرسل أربعين طالبا من طلابه لفرنسا مبعوثين لدراسة العلوم الحديثة وعندما عادوا لمصر عام 1831م صاروا منارات علمية للنهضة وكان للشيخ رفاعة الطهطاوي أعظم الاثر بترجمته لدستور الحرية الفرنسي عام 1834م الذي كان ملهما لمحمد علي لكي يصدر قانون السياستنامة كدستور لمصر المحروسة عام 1837م وقد خص التعليم نصا ملزما بأن جعل ديوان المدارس المختص بتجهيزات ومتطلبات المدارس كأحد دواوين الحكومة المصرية الستة التي كانت وقتها معنية بالحجاز ومصر والسودان. وفي عام 1883م صدر دستور مصر وبه نص يعطي لمجلس مديريات مصر أن تقرر رسوما مؤقتة وأن تقبل الاكتتاب والهبات التي تخصص للتعليم علي أن يكون رأي المديريات ملزما في مشروعات إنشاء المدارس وادارتها ووضع برامج لسير الدراسة بها وخصص الدستور سبعين بالمائة من الرسوم للصرف علي تعليم الزراعة والصناعات اليدوية, والثلاثين بالمائة الأخري للتعليم الابتدائي, وما فوقه إلي ان جاء دستور 1923م ليقر بأن التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو يناف الآداب وأن التعليم الاولي مجاني الزامي للمصريين من بنين وبنات. وبعد ثورة يوليو 1952صدر دستور 1956م الذي نص علي أن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف أنواع المدارس وتشرف عليه وهو في مراحله الاولي اجباري ومجاني في مدارس الدولة, وعندما صدر دستور 1964م أكد أحقية التعليم للمصريين جميعا وإشراف الدولة عليه وشمول مظلة مجانية لمراحله المختلفة والجامعات أيضا, وفي دستور 1971 رسخت المواد من 18 إلي 21 مبدأ كفالة الدولة للتعليم وجعل التعليم الزاما في المرحلة الابتدائية ومد الالزام إلي مراحل اخري, وإشراف الدولة علي التعليم وكفالة استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي بما يحقق الربط بينهما وبين حاجات المجتمع والانتاج, وجعل التربية الدينية مادة أساسية في مناهج التعليم العام, وان التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة, وأضاف أن محو الامية واجب وطني تجند كل طاقات الشعب من أجل تحقيقه, ونصت المادة 49 منه علي أن تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والابداع الادبي والفني والثقافي وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك. ويعد هذا العرض لجميع النصوص المتعلقة بالتعليم بدساتير مصر 19371971م أتمني من اللجنة التأسيسية المنوط بها وضع دستور مصر الجديدة مصر الثورة, أن تضع التعليم والبحث العلمي والابداع نصب أعينها وتحميه بنصوص قاطعة الدلالة من سطوة رأس المال الذي حول التعليم إلي مشروعات استثمارية هادفة للربح وهو ما يتنافي مع أهمية التعليم كوسيلة لبناء الانسان المصري الصالح المنتج, الذي هو أغلي وأثمن ما تملكه الدولة من موارد. إن الدستور هو العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وهو الاطار العام المنظم للمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولمؤسسات الدولة المصرية ويلتزم الجميع بالعمل به والامل كبير في أن يخرج دستور مصر الجديدة معبرا لحضارة وعراقة مصر المحروسة. د. حمدي عبدالسميع أستاذ بطب بيطري بنها