كان الشيخ أمين الخولى من الدعاة المصلحين، تميزت كتاباته وأحاديثه الدينية بالعمق والتجديد، تعبر عن منهج فى فهم القرآن قائم على التعمق فى فهم ألفاظ ومعانى القرآن للتوصل الى مقاصده ويحتكم دائما إلى العقل.. وكان يقول دائما إن القرآن حين يتذوقه المؤمن يجد فيه الامتاع بقدر مايجد فيه التعبير والاقناع. وكان يلقى أحاديثه فى شهر رمضان عن حكمة الصيام وعلاقته بأهداف الاسلام البعيدة وتدبيره للحياة. ففى الصوم التشبه بقدر الإمكان بالملائكة المنزهين عن الشهوات جميعها، ومن حكمته أيضا أن فيه قهرا للنفس لأن النفس إذا جاعت امتنعت عنها، وهو أيضا وسيلة للتقوى لأن النفس إذا امتنعت عن الحلال طمعا فى رضا الله وخوفا من عقابه فأولى لها أن تنقاد للامتناع عن المحرمات، وحكمة الصيام أنه يحرك فى النفس الرحمة والعطف على المساكين. فمن ذاق ألم الجوع بعض الوقت يتذكر ألم من يعانى الجوع أكثر أوقاته، وفوق ذلك فإن الصيام وسيلة إلى شكر النعمة، فهو امتناع عن أشياء من أكبر النعم والامتناع عنها زمنا يدفع الإنسان إلى الإحساس بقدرها لأن هذه النعم غائبة عن وعى الإنسان لكثرة تعوده عليها، والحرمان منها يدعو إلى إدراك قيمتها والى شكر الله الذى أنعم على الإنسان بها. فالصوم فيه اتجاهان متضادان.. فيه نفحات فلسفية.. وفيه دعوات للزهد والاستغناء، ومن ناحية أخرى فإن فيه نزعة للاستمتاع.. فيه التخلق بأخلاق الملائكة وروحانية الخير والفضيلة، وفيه رياضة النفس وقهرها بالجوع، وكسرها بالحرمان وتلك اتجاهات روحية عظيمة الأثر، وفيه معنى عميق لنظرة القرآن للإنسان وبشريته فى حياته على الأرض، القرآن يقف موقفا واضحا من بشرية الرسل والأنبياء وفى ذلك موقف فاصل فى تاريخ الحياة العقلية للإنسان هو دعوة الى جهاد الانسان من أجل تحرير العقل والتفكير، فالطعام هم أهم ماتدعو إليه الغريزة الانسانية، والحرمان منه فى نهار رمضان يجعل الصائم يعرف قيمة النعمة التى ينعم الله بها عليه (وما بكم من نعمة فمن الله) ففى الصيام إثارة انتباه الإنسان إلى الطعام، ولهذا يشير القرآن إلى بشرية الرسل بأنهم كانوا يأكلون الطعام، أما الذين حسبوا أن الرسل يجب ألا يأكلوا الطعام مثل سائر البشر فقد قالوا (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق) وكان رد القرآن على ذلك (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق) ونفس الشىء يذكره الله عن المسيح دليلاً على بشريته وأنه رسول : (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه كانا يأكلان الطعام...) وحين تحدث النبى ابراهيم عن فضل الله عليه وعلى الناس قال (والذى هو يطعمنى ويسقين) وفى ذكر فضل الله على قريش قال الله فى كتابه (الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وفى الفرق بين الله والانسان يقول القرآن (وهو يطعم ولا يطعم) وحين يبكت العباد يقول سبحانه (ما أريد منهم من رزق وماأريد أن يطعمون). وفى الصيام بهذا المعنى شعور بالخزى للمفطر فى رمضان بغير عذر لأنه وقع فريسة ضعف الارادة وتغلبت عليه شهوته وغريزته واستسلم لدعوة الجسد على دعوة السمو الروحى.. وينبهنا الشيخ أمين الخولى إلى أن الصيام ينبه فى الانسان الشعور بحقيقة ضعفه فلا ينساق للغرور بقوته أو بمكانته، لأن الله لا يحب الاستعلاء والتكبر ليشعر كل مغرور بقوته بأنه ضعيف يعانى من ألم الجوع مثل الفقير الذى لا يجد من الطعام مايجده هو فالكل فى نهار رمضان سواء، فالصيام يرد التكبر إلى حدوده. شهر رمضان إذن شهر يقظة النفس الى حقيقة الانسان، وضعفه (وخلق الإنسان ضعيفا) وهو دعوة إلى القوة والإرادة وقهر هذا الضعف، ومقاومة إغراء الغرائز ودعوات الشيطان.