* يسأل راضي محمد راضي من بورسعيد: * لماذا يحرمنا الله من التمتع بنعمة الطعام والشراب. ويحرم علينا المتعة الجنسية في نهار رمضان لمدة شهر في كل عام. وذلك بفرض الصيام في رمضان؟ ** يجيب الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر: علي ضوء الحكمة العامة للتشريع. وهي ربط المخلوق بالخالق. وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته في الأرض بالأخلاق الشخصية والاجتماعية يمكن توضيح الحكمة من الصيام فيما يأتي: 1 الصوم فيه تقديم رضا الله علي النفس. وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب. وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية. وذلك ابتغاء وجه الله وحده. الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات. ومن هنا كان ثوابه عظيماً. يوضحه ويبين علته قول النبي صلي الله عليه وسلم : "كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف. قال الله تعالي : "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري ومسلم. وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها. فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في فترة الصيام. وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها "لعلكم تشكرون" وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلي الله بالدعاء الذي لا يرده. لقول النبي صلي الله عليه وسلم : "ثلاثة لا ترد دعوتهم. الصائم حتي يفطر أو حين يفطر والإمام العادل. ودعوة المظلوم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان. وحسَّنه الترمذي. ولعل مما يشير إلي الإغراء بالدعاء في الصيام توسط قوله تعالي: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان..." بين ايات الصيام سورة البقرة: 183 .187 2 في الصيام تخليص للإنسان من رِقِ الشهوة والعبودية للمادة. وتربية عملية علي ضبط الغرائز والسيطرة عليها. وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم. وهذا جهاد شاق يعوِّد الصبر والتحمل. ويعلِّم قوة الإرادة ومضاء العزيمة. ويُعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها ومرها وسائر متقابلاتها. ليجعل منه رجلاً كاملاً في عقله ونفسه وجسمه. يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة. وقد شرعه النبي صلي الله عليه وسلم علاجاً لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج. ففي الحديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء" أي قاطع. رواه البخاري ومسلم. والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جُنَّة قوية تحصِّنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء.. يقول النبي صلي الله عليه وسلم : "الصوم جُنَّة. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب. فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم" رواه البخاري ومسلم. والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلالات التي تدعو لها الشهوة إنسان عزيز كريم. يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيِّرها الغرائز. والصيام أيضاً يعوِّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب. وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق. إن الصيام إلي جانب ما فيه من صحة النفس فيه صحة بدنية أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها الطيبة. ففي الحديث "صوموا تصحوا" رواه الطبراني عن رواة ثقات. والصوم يعوِّد النظام والتحري والدقة. وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معين وحرمة الإفطار قبل حلول موعده. قال تعالي: "وكلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلي الليل" سورة البقرة: .178. كما أن في الصيام الصادق اقتصاداً وتوفيراً يفيد منه الصائم. وتفيد أسرته وتفيد الأمة. 3 الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا ما عاني من ألم الجوع وحر العطش. ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر. وكانت شعيرة يوم العيد هي زكاة الفطر للتوسعة علي الفقراء. وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان. وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرتفع إلا بزكاة الفطر" رواه أبو حفص ابن شاهين. وهو يقبل في فضائل الأعمال. الصيام بهذا المظهر يعد للحياة الاشتراكية القائمة علي التعاون علي البر. وعلي الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب. ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاء جبريل فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلي الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" رواه البخاري ومسلم. والصيام الكامل عن كل المشهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرم والغش وسائر المحرمات. وفي الحديث الشريف: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري. والزور هنا معناه الباطل بكل مظاهره وألوانه. وقد رأي بعض العلماء أن الغيبة والنميمة يفسدان الصوم كما يفسده تناول الطعام. لقد قال النبي صلي الله عليه وسلم في شأن الصائمتين المغتابتين "صامتا عما أحل الله الطعام وافطرتا علي ما حرَّم الله" رواه أحمد وأبو داود. وفي بيان أثر الصيام في العلاقات الاجتماعية قال النبي صلي الله عليه وسلم في شأن المرأة التي تؤذي جيرانها بلسانها "إنها في النار" بالرغم من كثرة صلاتها وصيامها رواه أحمد والحاكم وصححه. هذا والصيام يعود الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن وإذا كان هذا طابع الإنسان في كل أحواله أتقن عمله وأنجز ما يوكل إليه من المهام علي الوجه الأكمل. وعف عن الحرام أياً كان نوعه. وعاش موفقاً راضياً مرضياً عنه. وأفادت منه أمته إفادة كبيرة.