* محمد الشحات الجندي في حواره ل«صدى البلد»: * يجب شخذ الهمم وتطهر النفوس في رمضان المبارك * الله ينظر إلى عباده في أول ليلة في رمضان ليغفر لهم * الفريضة في رمضان بسبعين فريضة فيما سواه * وجعل الله في رمضان النافلة بثواب الفريضة * مضان إن لم نؤد حقه سيكون خصيمًا لنا يوم القيامة * الصيام تجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن رمضان ضيف عزيز ويجب أن نستعد له جيدًا وألا نضيع جوائزه «الرحمة والمغفرة والعتق من النار»، منوهًا بأن الله عز وجل اختص نفسه بكتابة أجر الصائم. وأكد المفكر الإسلامي في حواره ل«صدى البلد»، أن رمضان إن لم نؤد حقه سيكون خصيمًا لنا يوم القيامة، مؤكدًا أن الصيام تجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة.. وإلى نص الحوار كيف نستقبل شهر رمضان؟ أقبل علينا شهر كريم، فيجب علينا أن نستعد له بتطهير النفوس من الغل والحقد والرياء والكراهية والبغضاء حتى يكون للطاعة مردودها على هذه النفوس وتلك القلوب، وأيضا إنهاء الخلافات والمشاحنات: لأن جوائز رمضان – الرحمة – والمغفرة – والعتق من النار - ليست للمتقاطعين ولا المتباغضين ولا المتخاصمين، والامتناع عن الغيبة والنميمة. وشحذ الهمم والتعامل مع هذه الأيام بكل جد ونشاط والمسارعة إلى رحمة الله، والإحساس بالفقراء والمساكين الذين لا يجدون عائلا لهم، بالتصدق إليهم وإعانتهم ففي الحديث «من تصدق بعدل تمرة – أي بما يعادل تمرة – من كسب طييب ولا يقبل الله إلا طيبا، فإن الله يتقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه – أي مهره – حتى تصير عند الله كجبل أحد». وعلينا أن ننتهز فرصة قراءة القرآن في رمضان حتى يكون شفيعًا لنا يوم القيامة، ونصلي قيام الليل «التراويح» ففي الحديث (يأتي القرآن والصيام فيشفعان للعبد يوم القيامة فيقول الصيام أي ربي منعته الطعام والشراب فشفعني فيه، ويقول القرآن أي ربي منعته النوم فشفعني فيه، فيشفعان». ما مراحل تشريع الصوم على الأمة المحمدية؟ شرع الخالق سبحانه وتعالى، الصيام على مرحلتين: الأولى: مرحلة التخيير: بأن يخير المكلف المطيق للصوم بين أن يصوم أو الإفطار مع الفدية وهي إطعام مسكين. أما الثانية: فمرحلة الفريضة والتكليف، جاءت على رتبتين: الأولى: وفي هذه المرحلة أوجب الإسلام على المسلم أن يصوم من العشاء إلى وقت الغروب، فقد كان المسلمون يأكلون ويشربون ويباشرون نساءهم ما لم يناموا أو يصلوا العشاء فإذا ناموا أو صلوا العشاء لم يجز لهم شيء من ذلك إلى الليلة القابلة. والرتبة الثانية : وهي الكيفية التي عليها الناس اليوم إلى أن تقوم الساعة، والتي يبدأ فيها الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والتي نسخ الله بها ما كان عليه المسلمون قبل ذلك. وفي هذا أنزل الله عز وجل قوله "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ"، فلما نزلت هذه الآية ففرح المسلمون بها فرحًا شديدًا لما فيها من التيسير على المسلمين ورفع للحرج عنهم حيث أباح لهم الرفث (الجماع)، طوال الليل إلى أن يطلع الفجر وصدق الله العظيم إذ يقول «يرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ». فسر لنا معنى مقولة رمضان شهر جبران؟ هذه مقولة صحيحة.. فالأمة الإسلامية فضلها الله بكثير من الأشياء، فرغم قصر الأعمار إلا أننا نسبق كل الأمم يوم القيامة ويرجع ذلك إلى فضل الله علي أمة محمد من خلال ما يأتي: جعل الله الفريضة في رمضان بسبعين فريضة فيما سواه، وجعل الله في رمضان النافلة بفريضة، وأعطانا الله ليلة القدر في رمضان خيرا من ألف شهر أي أكثر من ثلاث وثمانين سنة متصلة في العبادة. وأعطانا الله يوم الجمعة يكفر الذنوب ففي الحديث "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر"، وأعطانا الله يوم عاشوراء يكفر صيامه ذنوب عام، وأعطانا الله يوم عرفة يكفر صيامه ذنوب عامين عام مضى وعام قابل، وأعطانا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ونظر الله إلى عباده، وغير ذلك من الفضائل التي خص بها الأمة المحمدية. وإذا جمعنا هذه الفضائل بعضها إلى جوار بعض يلاحظ الناظر أن أعمار الأمة المحمدية من حيث بركة الله فيها ومن حيث الفضائل التي أعطانا الله إياها أطول من أعمار السابقين، ومن ثم فعلينا أن نقبل هدايا الله لنا حتى نكون أهلا لمباهاة النبي عليه الصلاة والسلام بنا يوم القيامة. هل يغضب رمضان من المقصرين فيه؟ نعم.. رمضان إن لم نؤد حقه سيكون خصيمًا لنا يوم القيامة، ففي الحديث "أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله فيه إلى تنافسكم في الخير ويباهي بكم ملائكته في السماء فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل". بماذا وعد الله عباده الصائمين؟ في الجنة باب اسمه الريان لا يدخله إلا الصائمون، وورد في فضل الصوم أحاديث كثيرة منها ما روي عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ قال "الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أو شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إني صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى من رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ من أَجْلِي الصِّيَامُ لي وأنا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". وعن سَهْلٍ رضي الله عنه عن النبي قال إِنَّ "في الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يوم الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ منه أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ منه أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فإذا دَخَلُوا أُغْلِقَ فلم يَدْخُلْ منه أَحَدٌ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزئ به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". كيف يضاعف الله أجر الصيام؟ استثنى الله الصوم من الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام، فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد، فإن الصيام من الصبر وقد قال تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب"، ولهذا ورد عن النبي أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر، وفي حديث آخر عنه قال: "الصوم نصف الصبر". هل تجتمع في الصيام جميع أنواع الصبر؟ والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم فإن فيه صبرا على طاعة الله، وصبرا عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبرا على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن والصبر على القضاء والقدر، وهذا الألم الناشئ من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه. وضح لنا حكمة مشروعية الصيام؟ لا شك أن الصيام له حكم عالية ومقاصد سامية في شريعة الإسلام من هذه الحكم وتلك المقاصد، ومنها تزكية النفس من خلال طاعة الله عز وجل والابتعاد عن نواهيه وتدريبها على كمال العبودية، وذلك بحرمانها من شهواتها والتحرر مما ألفته النفس من شهوات أو ملذات سواء بينه وبين نفسه، أو بينه وبين الناس، وأيضا في الصوم إعلاء للجانب الروحي على الجانب المادي في الإنسان. فالإنسان ذو طبيعة مزدوجة، حيث فيه عنصر من الطين والحمأ المسنون، وفيه عنصر الروح الإلهي الذي نفخه الله فيه، وهذان عنصران، أحدهما يشد المسلم إلى أسفل، وآخر يجذبه إلى أعلى، فإذا تغلب عنصر الطين هبط إلى حضيض الأنعام أو أضل سبيلا، وصدق الله العظيم إذ يقول: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم"، وإذا تغلب عنصر الروح ارتقى إلى أفق الملائكة، ومن ثم فالصوم يجعل المسلم ينتصر فيه الجانب الروحي والملائكي على الجانب المادي والحيواني. - في الصوم تقوية لإرادة المؤمن في هذه الحياة الدنيا وتعويد لنفسه للصبر على تحمل الصعاب والمشاق، وفيه تذكير للمسلم بنعم الله عز وجل بحرمانه من المباحات لبعض الوقت ليعرف قيمة هذه النعم التي وهبها الله عز وفيه كسر للشهوة من خلال تصفية الروح والتغلب على نوازع النفس، وفيه المساواة بين الغني والفقير في الشعور بالجوع. ما يستحب للصائم فعله؟ يستحب للصائم: السحور: لما روي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً، وتأخير السحور: لما روي عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور قال: قدر خمسين آية". وتعجيل الفطر: لما روي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ»، والإفطار على تمر، فإن لم يكن فعلى رطب «ماء»، لما روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاء. ولما روي عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا قَالَ: إِذَا أَفْطَرَ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ". والدعاء عند الإفطار: لما روي عن عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ إِنَّ "لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي". والترفع عن الصغائر وكل ما من شأنه أن يحبط ثواب الصوم: من المعاصي الظاهرة والباطنة، فيصون لسانه عن اللغو والهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكف جوارحه عن جميع الشهوات والمحرمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر الله، وتلاوة القرآن.