في أول تقرير مفصل من نوعه في الصحافة الأمريكية عن قضية التمويل الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني في مصر كشفت وكالة أنباء أسوشييتد برس عن محاولات الولاياتالمتحدة التدخل في الخريطة السياسية المصرية بعد ثورة يناير. من خلال تمويل منظمات ليبرالية وعدم تقديم تمويل لمنظمات إسلامية. وقالت الوكالة إن المعهد الجمهوري الدولي الأمريكي قام بتلك الممارسات بالفعل, وهو ما دفع عددا من موظفيه إلي الاستقالة قبل عملية تفتيش مقار تلك المنظمات بشهرين كاملين. وأشارت الوكالة في تقرير لها من واشنطن إلي أن سبعة من الموظفين المصريين استقالوا احتجاجا علي ما وصفوه بالممارسات غير الديمقراطية, واشتكوا من أن هذه المنظمة الأمريكية, التي تقول إنها غير حزبية, استبعدت منظمات سياسية إسلامية من برامجها, وجمعت معلومات دينية حساسة حول المصريين عند إجراء الانتخابات لإرسالها إلي واشنطن, وأمرت العاملين بمحو كل ملفات الكمبيوتر وتسليم جميع السجلات للشحن إلي الخارج قبل أشهر من تفتيش مقار تلك المنظمات. ومن جانبهم, رد مسئولو المعهد الجمهوري الدولي علي ذلك برفضهم الاتهام بالقيام بأي شيء غير لائق. وقالت أسوشييتدبرس أيضا في تقريرها إن تمرد مجموعة العاملين الصغيرة في عددها غير معروف للكثيرين, ولكنه يعبر عن شعور متنام في مصر بأن برامج الديمقراطية التي تدعمها الولاياتالمتحدة ترمي بشكل أقل لمساعدة المصريين وتخدم أكثر المصالح الأمريكية. وأضاف التقرير أن المقابلات والوثائق التي حصلت عليها تشير إلي أن احتجاج الموظفين والحملة الحكومية الأوسع علي هذه المنظمات قد ساعدت في فضح ما وصفه مسئولون في الولاياتالمتحدة بما لا تريد واشنطن الاعتراف به علنا: وهو أن الحكومة الأمريكية أنفقت عشرات الملايين من الدولارات لتمويل وتدريب جماعات ليبرالية في مصر هي العمود الفقري للثورة المصرية, وقد تم ذلك للمساعدة في بناء معارضة للأحزاب الإسلامية وتلك المؤيدة من الجيش, وكل ذلك باسم تطوير الديمقراطية, وذلك علي الرغم من أن جميع الدبلوماسيين الأمريكيين كانوا يؤكدون في حينه للقادة المصريين أن واشنطن لم تأخذ جانب أحد في مصر. وقد رفض المعهد الجمهوري الدولي العمل مع اعضاء من جماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة, فيما عرض المعهد الديمقراطي الوطني برامج التدريب والدعم لأعضاء جماعة الإخوان. وقالت الوكالة إن الاتهامات ضد العاملين في برامج دعم الديمقراطية الممولة أمريكيا تعود إلي ما يقرب من ست سنوات من قبل الحكومة المصرية والتي فرضت قيودا مشددة علي برامج الديمقراطية الأمريكية بعد جدل حول التصريحات العلانية من قبل مدير المعهد الجمهوري الدولي. وأشارت أسوشييتد برس إلي أنه من الواضح من تجربة الولاياتالمتحدة في مصر أن الاعتماد المتزايد من قبل المسئولين الأمريكيين في الترويج للديمقراطية عبر التمويل يولد شعورا بالقلق من تدخل الولاياتالمتحدة ويمكن أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر. ويري البعض أن أهداف الولاياتالمتحدة لتعزيز الديمقراطية في مصر جاءت بنتائج عكسية بعد الربيع العربي, وأدت إلي إلحاق أضرار بالمصالح الأمريكية في بلد يعتبر مهما لاستقرار الشرق الأوسط, وذلك لأن الزعماء في الغرب لا يفهمون تماما ما يحدث. وقال فرانك ويزنر السفير الامريكي السابق إلي مصر إن المشكلة هي أن كل أنواع الحساسيات قد ظهرت وطفت إلي السطح بعد الثورة, وأضاف أعتقد أن أصدقاءنا في الحكومة الأمريكية لم يقدروا حجم هذه المخاطر, ولم نكن مستعدين للتعامل معها. وفي عام2006, أمرت السلطات المصرية برامج الديمقراطية التي تدعمها الولاياتالمتحدة بتقليص العمل في البلاد بعد أن نقلت صحيفة عن مدير المعهد الجمهوري الدولي بالقاهرة قولها إنه من حقنا العمل في مصر دون ترخيص مسبق. ثم عادت برامج التدريب علي الديمقراطية بشكل ملحوظ بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك, من خلال دفع الملايين لتعزيز الديمقراطية, كما وافقت الولاياتالمتحدة بسرعة علي ضخ65 مليون دولار لبرامج دعم الديمقراطية تم الحصول علي أغلبها من المساعدات المصرية المعلقة, وذهبت هذه الأموال مباشرة إلي المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني والجماعات الديمقراطية الأخري, بما في ذلك المنظمات المصرية التي تعتبر أكثر ليبرالية وأكثر ميلا لتحدي المنظمات الإسلامية. وقال مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية: اعتقد الكثير من الناس أن هذا المجتمع برهن علي التزامه بمستقبل ديمقراطي ويجب علينا تقديم الدعم لهم أكثر من ذلك, وأضاف أن إدارة أوباما تدعم هذا القرار باعتباره هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله بدعم جماعات ليبرالية, والجماعات النسائية, وكنا نريد لهم تشكيل حكومة ائتلافية, ولكن هذا لم يحدث. وأشار مسئول أمريكي آخر إلي أن المعهد الجمهوري قرر استبعاد مجموعات مرتبطة بالإخوان المسلمين واتخذ القرار بتركيز الجهود علي الأحزاب الصغيرة والضعيفة في المرحلة الأولي. وقال المعهد الجمهوري الدولي إنه قد عمل مع بعض الجماعات الإسلامية في مصر. وتعد تصريحات فرانك ويزنر هي أول ظهور له بعد سفر ويزنر بعد المهمة التي قام بها في العام الماضي إلي القاهرة بناء علي طلب الرئيس باراك أوباما للقاء مبارك. وقال ويزنر إن الولاياتالمتحدة كان من الممكن أن تتجنب الكثير من المشكلات في مصر بعد ثورة يناير, وكان علي المسئولين إبداء مزيد من الاهتمام إلي السلبيات الناجمة عن دفعة توسيع نطاق التنمية الديمقراطية في مصر. وقال:عمليات اقتحام المشهد السياسي كانت تعني أنها سوف تفضي إلي الجحيم, وأضاف كان هذا الوقت غير مناسب أن يقحموا أنفسهم في المطبخ, فهناك عدد كبير من الطهاة المصريين الذين كانوا لا يريدون أي شخص من الخارج.