تشهد كل من بريطانيا وأوروبا اليوم لحظة تاريخية، حيث يصوت البريطانيون على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، وسط تعادل كفتى المؤيدين والمعارضين، ومحاولة كافة الأطراف اللعب على نسبة 10٪ من المترددين. ويتوجه اليوم ملايين الناخبين البريطانيين إلى صناديق الاقتراع للتصويت فى استفتاء مصيرى حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبى وسط حالة ترقب قلقة فى بريطانيا والأوساط الأوروبية والعالمية. ووفقا لآخر استطلاعات الرأي، فإن هناك تقاربا كبيرا بين من يريدون البقاء ومن يريدون المغادرة، مما يجعل التنبؤ بالنتيجة صعب جدا. وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أمس إن "بريطانيا ستكون أقوى وأكثر أمنا وانتعاشا اقتصاديا" إذا ما ظلت عضوا فى الاتحاد الأوروبي، موضحا أنه فى آخر محاولاته لإقناع البريطانيين بالبقاء فى جولة حرص على أن يضم فيها سياسيين بارزين من مختلف الطيف السياسى المؤيدين للبقاء مثل أحزاب العمال والخضر والأحرار الديمقراطيين، إن بريطانيا "تواجه قرارا مصيريا لا رجعة فيه". من ناحيته، حاول بوريس جونسون زعيم "معسكر المغادرة" التهوين من آثار المغادرة اقتصاديا، قائلا إن الاتحاد الأوروبى لن يستطيع وضع حواجز أمام التجارة مع بريطانيا فى حالة الخروج، وأن مبدأ "حرية" التجارة سيستمر. وقال جونسون إن بريطانيا "على حافة شئ غير اعتيادي"، وأنه إذا صوت البريطانيون بالخروج سيكون غدا الجمعة يوم إعلان النتائج، بمثابة "يوم استقلال بريطانيا". وقالت هيرييت هيرمان السياسية البارزة فى "حزب العمال" المؤيدة للبقاء داخل الاتحاد الأوروبى إن "الاتحاد يعنى وظائف، واستثمارات،وتجارة، وضمان حقوق العمال"، فيما دافع رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور، المؤيد للبقاء داخل الاتحاد، عن حملة البقاء، قائلا : "لم تكن حملة تخويف من آثار المغادرة اقتصاديا، بل كانت حملة حقائق". من ناحيته، قال نيك كليج الزعيم السابق ل"الأحرار الديمقراطيين" إن البقاء "هو القرار الصائب للأجيال الشابة"، متهما معسكر المغادرة بالكذب بسبب تأكيده على أن التصويت بالخروج سيعنى تقليص الهجرة إلى بريطانيا فورا. ويشكل الخروج المحتمل من الاتحاد الأوروبى تحديات كبيرة لبريطانيا ليس فقط فيما يتعلق بالآثار الاقتصادية التى ستترتب على هذا، لكن فيما يتعلق بوحدة الاتحاد البريطانى نفسه وسط دعوات من اسكتلندا لإجراء استفتاء بالاستقلال عن بريطانيا فى حالة التصويت بالخروج. وفى هذا الإطار، قالت نيكولا ستورجين رئيسة وزراء أسكتلندا، والمؤيدة بحماس للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، إن "هناك الكثير على المحك فى هذا الاستفتاء"، مشيرة إلى أن بقاء بريطانيا كعضو فى الاتحاد الأوروبى "سيحمى مكان بريطانيا فى السوق المشتركة وسيحمى مكانة بريطانيا فى العالم". وانتقدت ستورجين حملة المغادرة قائلة إنها "لم تقدم إجابات على مستقبل بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي". وخلال آخر مناظرة بين المعسكرين قبل التصويت، ركز معسكر المغادرة على شعار "لنستعد السيطرة"، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبى بات بشكل متزايد منظمة بيروقراطية غير ديمقراطية وأنه من الأفضل لبريطانيا الخروج منه وتعزيز علاقاتها مع شركاء اقتصاديين آخرين، فيما ركز "معسكر البقاء"على شعار "أقوى معا"، مشيرا إلى أن لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الكثير من المزايا وأن المغادرة "مغامرة كبيرة". وردا على التحذيرات من آثار الخروج، وضع معسكر المغادرة "خريطة طريق" لإنهاء عضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى على مراحل بحلول 2020. وقال رئيس مجلس العموم كريس جريلينج، المؤيد للمغادرة، إن خريطة الطريق تهدف إلى منع تقلبات خطيرة فى بريطانيا إذا ما صوتت الغالبية لصالح الخروج من الاتحاد. وسواء قررت بريطانيا البقاء أو المغادرة، فسيكون هناك اجتماع لمجلس أوروبا فى 28 يونيو الحالي، أى بعد أقل من أسبوع من الإستفتاء لبحث تداعيات القرار والتصرف وفقا لنتائجه. وقالت مصادر مطلعة فى المفوضية الأوروبية ل"الأهرام" إن المفوضية لديها خطط طوارئ للتعامل مع سيناريو خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد، لكنها أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي: "يصلى من أجل بقاء بريطانيا .. فهى ثالث أقوى اقتصاد فى الأتحاد وخروجها سيكون كارثيا". وفى حالة المغادرة، سيتم تطبيق المادة 50 من معاهدة لشبونة، أو "مادة الخروج" التى توضح آليات خروج أى دولة عضو فى الاتحاد "قد تقرر الإنسحاب من الاتحاد وفقا للمتطلبات الدستورية الخاصة بها". وستكون هذه هى المرة الأولى فى تاريخ الاتحاد التى تستخدم فيها هذه المادة. وأول آليات الخروج أن تخطر الدولة المعنية مجلس أوروبا رسميا عزمها على الإنسحاب، ويضم مجلس أوروبا جميع رؤوساء وقادة الدول ال 28 الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، ورئيس مجلس أوروبا دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. ووفقا للمادة 50، فإن الدولة المغادرة لا تصبح عضوا من الاتحاد الأوروبى بعد عامين من تقديم طلب الإنسحاب رسميا إلا إذا تم تمديد المفاوضات بالإجماع من قبل مجلس أوروبا والدولة المنسحبة، أو أن يكون قد تم الاتفاق بشكل مسبق على موعد آخر للانسحاب. أما إذا قررت بريطانيا البقاء، فإن المفوضية الأوروبية ستبدأ فى تحويل بنود الاتفاق الذى تم توصل إليه مع بريطانيا فى فبراير الماضى إلى قوانين ملزمة ومنها قانون يهدف إلى الحد من الهجرة إلى بريطانيا عبر تقليص الدعم الاجتماعى المقدم للمهاجرين.