الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، واحد من علماء الإسلام الأجلاء فى مصر والعالم، وعلم من أعلام الدعوة الإسلامية، أثرى الحياة الثقافية والفكر الإنسانى بآرائه واجتهاداته وجهده الكبير فى التقريب بين المذاهب وإرساء دعائم الوحدة الوطنية ، وإبراز قيم المشتركات الإنسانية فى الحضارة الإسلامية. نذر نفسه للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، باعتدال ووسطية ورؤية عميقة وجريئة. يرى الشيخ محمود عاشور أن تعدد واختلاف الفتاوى الصادرة عن العلماء رحمة بالناس، وإن كان من غيرهم فهو جريمة يجب مواجهتها. وأكد فى حوار مع « الأهرام» أن المناهج التى تدرس حاليا بالأزهر لم تعد مواكبة للعصر وتحتاج إلى وقفة ومراجعة وتنقية وبناء جديد. وأن تجديد الخطاب الدينى يحتاج الى جهود أكبر ولا يقف عن محاضرة فى داخل أو خارج مصر. وطالب بتدريس مادة الثقافة الإسلامية فى جميع مراحل التعليم والجامعات المصرية لبناء جيل جديد ينشأ نشأة علميا وثقافيا ودينيا. وإلى نص الحوار: ماذا تقول للمسلمين بمناسبة شهر رمضان؟ شهر رمضان المبارك، هو شهر الخير والبركة للإنسانية جميعاً، حيث تلجأ فيه النفوس إلى الله تعالي، والقلوب متعلقة ببارئها وخالقها سبحانه وتعالي، ترجو رحمته وتخشى عذابه، وتطلب أن يرحمها مما تعانيه من قسوة وظلم فى حياتها. تعدد الفتوى هل يخدم المسلمين أم يحدث بلبلة؟ تعدد الفتوى إذا كان من العلماء فلا ضير ولا بأس، ولا حرج، لأن الفقه مذاهب متعددة، واختلافهم رحمة، لكن حين يتصدى غير العلماء للفتوى فتلك جريمة، ولا ينبغى أن يتصدر للفتوى غير العلماء المتخصصين، وأطالب بإصدار تشريع يمنع الإفتاء لغير العلماء، حتى تظل الفتوى دائما فى مكانها الصحيح وعند أهلها، ولا ينبغى أن يتصدر المفتون بغير علم حتى لا يضلوا الناس والمجتمع، فليس كل عالم مفتيا، وليس كل مفتى عالما يدعو، ويجب أن نفرق بين الداعية والعالم أو الواعظ والفقيه، ويظل الإفتاء له رجاله، ويظل الوعظ الإرشاد له رجاله من الدعاة، فليس كل من صعد المنبر يكون مفتيا، هناك كثيرون من غير خريجى الأزهر يخطبون خطبا جيدة لكنهم ليسوا علماء ولا مفتين، وبالتالى لابد أن يقتصر الإفتاء على العلماء المتمكنين. ما رأيك فى تدريس الثقافة الإسلامية بالجامعات؟ للأسف ما عدا جامعة الأزهر وكلية دار العلوم لا أحد فى الجامعات يعرف شيئا عن الثقافة الإسلامية وأطالب بتدريسها ضمن مقررات الجامعات لتثقيف الشباب وحمايتهم من الأفكار الضالة والمنحرفة والمخربة، وفى المدارس للأسف مادة التربية الإسلامية لا يهتم بها الطلاب إلا ليلة الامتحان يذاكرونها لكى ينجحوا فيها فقط ويجيبوا عن الأسئلة وليس تثقيفا وتنويرا وتعليما، وبالتالى لا يعرفون دينهم، وللأسف لا تضاف للمجموع ولا يقوم بتدريسه أساتذة متخصصون نحتاج لمدرسين متخصصين فى التربية الدينية يكونون قدوة فى سلوكهم وتصرفاتهم وأفعالهم، ويعلمون الطلاب الصلاة وأمور دينهم والمعاملة فى الإسلام وقيم التعايش مع الآخرين وحب الوطن وتوطيد العلاقة بين أبناء الوطن حتى نعمق الإسلام فى نفوس الناس ويفهموا دينهم فهما صحيحا، وأرى أن مناهج التعليم العام تحتاج لتعديل وتطوير لينشأ الجيل نشأة صحيحة علميا وثقافيا ودينيا والإعلام والتربية والتعليم والأزهر والأوقاف عليهم دور كبير فى ذلك فذلك مسئولية الجميع تربية وأخلاقا وسلوكا. ومنع الانحرافات وأن يكونوا جيلا صالحا لمجتمعهم وأهلهم ووطنهم، ولابد للجميع أن يتكاتف فى البناء، فلا يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم. هل مناهج الأزهر الشريف تحتاج لتطوير أم تغيير؟ الحقيقة، إن الأزهر الشريف كله يحتاج إلى وقفة ونظرة، فالأزهر الشريف ليس بنيانا، وليس إنسانا، ولكنه أكبر وأعمق، مؤسسة عظيمة قامة وقيمة رائعة كبيرة، لا تتوقف ولا يؤثر فيها شخص ولا عدة أشخاص، وهو تاريخ طويل منذ إنشائه وحتى الآن، يلجأ إليه المسلمون فى كل أنحاء العالم ويستعينون به فيما يعن لهم من قضايا ومشكلات، وبالتالى نحتاج دائما إلى أن يكون الأزهر فى هذا المكان وهذه المكانة، ولا يكون ذلك إلا حينما نلبى ما يطلبه المسلمون فى أنحاء المعمورة وما يشبع نفوسهم، فمناهج الأزهر تحتاج إلى وقفة ومراجعة، وإلى بناء جديد، وفضيلة المرحوم الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق كان له كتب تدرس فى الفقه فى مراحل التعليم الأزهرى اسمها «الفقه الميسر» كانت سهلة وميسرة وواضحة للأسف تم إلغاؤها من التدريس بالمعاهد الأزهرية وأعيد تدريس الكتب القديمة التى ربما تتحدث عن أشياء لا وجود لها وربما تؤثر فى علاقة المسلمين بغير المسلمين بل تؤثر فى علاقة الناس بعضهم ببعض، وكان المرحرم الشيخ طنطاوى قد نقى كتب الفقه الإسلامى من المشكلات بنظرة رائعة طيبة، وللأسف بعد وفاة الشيخ طنطاوى رحمه الله جيء بكتب كثر انتقاد الناس لها، والحديث حولها، وقد قرأت منذ أيام فى بعض الصحف نقدا لمناهج الأزهر الحالية وهى تحتاج لمراجعة وتنقية، ولابد أن يكون الأزهر مواكبا للعصر وما يدور فى دنيا الناس، حتى نستطيع تلبية احتياجاتهم ونطبق دين الله الذى أراده لخلقه وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بالضرورة أن تكون كتب القدامى فقط هى المناهج المقررة، وهناك المحدثون من العلماء لديهم كتابات طيبة ومعتدلة وجيدة ورائعة، وينبغى أن تكون ضمن مناهج الأزهر، وإن لم يكن فلنستكتب العلماء القادرين ليبسطوا مناهج الأزهر الشريف حتى تتلاءم مع نفوس وضمائر الناس جميعا وقضايانا الحياتية ومواكبة العصر. هيئة كبار العلماء لماذا لا نسمع عن نشاطها وكأنها مجمدة؟ حين صدر قانون تنظيم الأزهر الشريف 103 لسنة 1961 ألغى هيئة كبار العلماء وأقام مقامها مجمع البحوث الإسلامية، وكان ينبغى حين تعود هيئة كبار العلماء أن تكون هى مجمع البحوث الإسلامية، لأنه هو الذى حل محلها، ولكن أريد أن يكون هناك أشياء وأشياء وفى النفوس هوي، فكل نفس تبعت هواها وسارت على ما تبغى لتأتى بأنصارها وأتباعها، ونتمنى للمجمع على ما يقوم به من جهد جهيد دور أكبر، لأن تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى جهود أكبر، فلا يقف عند محاضرة لشيخ الأزهر فى الخارج، فتجديد الخطاب الدينى فى الداخل أهم وأعظم، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قال كلاما فى ألمانيا لا يعرفه أهل مصر، يحتاج أهل مصر لمعرفة هذا الكلام الرائع وأن يتعلموا ما هى طريقة تجديد الخطاب الدينى ويتعلموا قيم التسامح وحسن الجوار مع غير المسلمين والعلاقات الطيبة لكى لا تكون فتنة، والكل مسئول عن تجديد الخطاب الدينى الدعاة وأجهزة الدولة ووزارة الأوقاف والثقافة والشباب والمدرسة والجامعة والبيت والنادى والمسجد والكنيسة والإعلام كل هؤلاء مسئولون جميعا. «داعش» هل هى صناعة غربية أم عربية أم نتاج جهل بصحيح الدين؟ فى عام 2008 كنت فى أمريكا ضمن مجموعة فى العلماء، وسئلت سؤالا من أمريكى كان سفيرا لأمريكا فى العراق اسمه مستر جوتن ويتكلم العربية جيدا قال لى ما رأيك فيما يحدث بين الشيعة والسنة؟ فقلت له الشيعة والسنة عاشوا فى العراق دهورا أخوة أحبة يتصاهرون ويتشاركون ويتزاورون ويعيشون إخوة مع بعضهم وكانت حياتهم طيبة متواصلة حينما دخلتم العراق أفسدتم ما بين الشيعة والسنة، فصفق الرجل للإجابة بسرور، فسألنى عن بن لادن، فقلت له بن لادن لا يحسب علينا بل يحسب عليكم أنتم، هو صناعة أمريكية، وهو ليس من علماء المسلمين حتى تحسبونه علينا، فهذا أصل الحكاية أنهم يصنعون الشر ويستعينون به فى كل أمور الشر، فأمريكا تريد تقسيم العالم العربي، لتظل إسرائيل دائما سائدة والسيدة للعالم العربي، فخربت العراق سلفا ثم اخترعت «داعش» لتقضى على ما بقى فى العراق ثم سوريا ثم ليبيا وهكذا، فداعش مجموعة من المجرمين قطاع الطرق، لا يعرفون دينا ولا قيما ولا خلقا ولاشيء على الإطلاق، فمن يعرف الدين يعرف الخلق والقيم، ويعرف أن الجهاد لا يكون أبدا بين مسلمين ومسلمين إطلاقا، فينبغى أن يقف العالم كله يدا واحدة ضد هؤلاء المجرمين الذين سلطهم أعداء الإسلام على المسلمين، وسينقلبون عليهم فى يوم فى الأيام وينقلب السحر على الساحر والدائرة على من بغي. الجاليات الإسلامية كيف يكونون سفراء للإسلام؟ نرجو من المسلمين فى الدول غير الإسلامية أن يطبقوا أخلاق وقيم الإسلام ويكونوا صورة مثلى للإسلام، فالإسلام له قيم ومثل وأخلاق، منها الحب والتسامح والرحمة والتراحم، وعدم الإيذاء، ويكفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» فيجب على الجاليات الإسلامية أن يكونوا صورة طيبة للإسلام حتى يحببوا الناس ويجذبوهم للإسلام، والإسلام بطبعه جاذب وبقيمه وبتعاليمه جاذب، لكنه يحتاج إلى أن يطبق على أرض الواقع وأن يكون المسلمون صورة حية لما جاء به الإسلام،. نصيحة للشباب وأمنية للوطن ماذا تقول؟ أقول للشباب أنتم مستقبل الوطن وأمل الأمة، وهذا حال الدنيا، جيل يسلم جيلا لتتواصل الأجيال، فأنتم الجيل القادم، فحافظوا على بلدكم فهى أمانة عندكم وارعوها بأن تكونوا حراسا لهذا الوطن بقيمه وأخلاقه ومبادئه حتى ننهض به ونبنيه، أما أمنيتى للوطن، أن تسود الدنيا بأسرها وتتفوق على العالم كله، وأن تظل مصر دائما شامخة قوية قادرة ولا تحتاج لأحد أو إلى أى دولة وأن تظل يدها العليا دائما إن شاء الله، فحبى لمصر ليس له حدود فهى صاحبة الفضل علينا، على أرضها تربينا وفى خيرها عشنا وفى أزهرها تعلمنا وعلمنا.