تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فترة تغيير سياسي واجتماعي غير مسبوق, فقد عجلت موجة الاحتجاجات التي اجتاحت عدة دول في المنطقة في مستهل عام 2011 وما ترتب عليها من عدم استقرار سياسي بحدوث تراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر في معظم الدول, وتزامن تأثر التجارة الإقليمية مع مواجهة الاقتصاد العالمي لتهديد حدوث ركود جديد. حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر للسنة المالية 2010-2011 بنسبة40% مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة, كما تقلص الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول من عام2011 مع انسحاب المستثمرين, وفي تونس انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بما يقرب من30% في الربع الأول من عام2011 مقارنة بالفترة نفسها من عام2010, كما شهدت دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تدفقات محدودة للاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة ضعف ثقة المستثمرين في جميع أنحاء المنطقة, ويأتي تجدد عدم الأمان إزاء المناخ الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وقت تواجه فيه العديد من اقتصاديات المنطقة ضغوطا متزايدة لإيجاد الرخاء الإقتصادي والوظائف لسكانها. يأتي هذا الركود الإقتصادي والضعف في معدل الاستثمار في الوقت الذي يعاني فيه الإقتصاد العربي آثار الأزمة المالية العالمية التي ظهرت معالمها في بداية عام2008 واستمرت للعام2009 و2010, ليزداد بذلك الوضع سوءا. أرغمت هذه التغييرات في الخريطة الاقتصادية العربية والناجمة بشكل مباشر عن الأزمات الاقتصادية المتتالية والتبعات الطبيعية للثورات العربية, الحكومات العربية علي البحث عن حلول جذرية للخروج من هذا النفق المظلم الذي قد يستمر لسنوات طويلة لحين حدوث تعاف حقيقي لهذا الاقتصاد المنهك. إن الاستثمار الأجنبي في المنطقة العربية, وكما سبقت الاشارة إلي ذلك, شهد تراجعا واضحا, فرأس المال الأجنبي بات يتخوف من ولوج المنطقة العربية في الوقت الحالي لقناعته بأن هذه المنطقة غير مستقرة سياسيا, مما سيؤثر سلبا علي جدية الضمانات التي سيحصل عليها المستثمر في حالة نشوب خلاف, لكن في المقابل هناك استقرارا في معدلات الاستثمارات خصوصا بالنسبة لتلك التي تتدفق نحو قطاعات يعتبرها الغرب استراتيجية كالنفط والغاز, وتأثر معدل الاستثمار كذلك نتيجة وقوع الدول الغربية تحت وطأة الديون السيادية مما أفقدها السيولة المالية لمواجهة احتياجاتها الداخلية وجعلها تتنصل من التزاماتها نحو البلدان المتعثرة اقتصاديا وتحجم عن الاستثمار فيها. من أجل احياء الاستثمار في دول الربيع العربي خاصة وفي المنطقة العربية بصفة عامة,لابد للحكومات من اتخاذ اجراءات صارمة وتبني سياسات حقيقية تمكنها من تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية وذلك عن طريق, إعادة ثقة المستثمرين والمحافظة علي المستثمرين الحاليين من القطاع الخاص وإيجاد فرص جديدة للاستثمار, وهي تحديات مهمة من الضروري مواجهتها من أجل توليد النمو والتوظيف في المنطقة علي المدي الطويل وعلي نحو قابل للاستدامة. وكذلك التواصل والتنسيق مع المنظمات الاقتصادية المعنية بدعم الاستثمار مثل منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية OCED التي تضع استراتيجيات اقتصادية واضحة وتجارب ناجحة أمام الحكومات للاستفادة منها من أجل دعم تحسين أطر سياسات الإستثمار وكذلك التعاون المستمر مع الشركاء الإقليميين وهم البنك الإسلامي للتنمية وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد العربي وكذلك التعاون مع الشركاء الدوليين وهم برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومنظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية والمفوضية الأوروبية ومجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومركز المشروعات الدولية الخاصة ومنظمة العمل الدولية والمركز الدولي لأبحاث التنمية وغيرهم من الشركاء.علاوة علي محاولة الاستفادة من مشاركات اقتصادية علي غرار مشاركة' دوفيل' التي أطلقتها مجموعة الثماني وذلك لدعم اقتصاديات عدد من دول الربيع العربي. من الضروري البحث عن شركاء جدد للاستثمار في ظل تردد الشركاء القدامي واحجامهم عن الاستثمار, حيث شهدت دول الربيع العربي مغادرة مكثفة للمستثمرين, وكذلك تأكيد ضرورة تبادل المعرفة والحوار بين البلدان المختلفة لتبادل التجارب والإستفادة من الدروس مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانات الواعدة التي تتوافر بالمنطقة. بالاضافة إلي مراعاة التحدي الرئيسي الذي تواجهه دول الربيع العربي وهو ضمان الحرية والعدالة والمساواة, وبهذا تصل إلي ديمقراطية فعلية ترفع مؤشر الأمان وتسهم في استقرار اقتصادي يشجع الاستثمار. وإعادة النظر في قوانين الاستثمار وتخفيف القيود الواردة فيها والقضاء علي البيروقراطية وتحسين الإدارة والقيام بإصلاحات في الجمارك وقوانين التصدير من أجل تشجيع الإستثمار وتحسين مناخه. والتقليل من قيمة خطابات الضمان والتقليل من التفتيش وتسهيل التراخيص وتسوية المنازعات وتقليص الإجراءات. ويمثل القيام بإصلاحات سياسية واضحة المعالم جانبا مهما في المسألة, تبدأ ببرلمان يعبر عن إرادة الشعب الحقيقية وبدستور يضمن الحقوق والحريات وبانتهاج السياسات الإقتصادية سالفة الذكر وإحياء العلاقة بين القطاعين الخاص والعام والاستفادة من الموارد البشرية الهائلة التي تتوافر بدول المنطقة العربية وكذلك الموارد الاستراتيجية. يري الاقتصاديون والمحللون السياسيون وبحق أن الرهان الحقيقي الذي يجب أن تعول عليه دول الربيع العربي هو رأس المال العربي, حيث تم اقتراح إطلاق مشروع' مارشال عربي' لدعم التنمية بالأقطار العربية, وكذلك تشجيع الاستثمارات البينية العربية والعمل علي تذليل العقبات والعوائق أمام تطويرها, ذلك كله يجب أن يتم في بيئة اقتصادية وسياسية نظيفة, حيث يجب التركيز ابتداء علي مكافحة الفساد المالي والإداري وتفعيل آليات الرقابة في الدول العربية وإنشاء هيئات رقابية تتمتع بالاستقلال الذي يمكنها من ممارسة الدور المطلوب منها وتعزيز دور كل من القضاء والاعلام في الوطن العربي.