عانت المرأة الفلسطينية التى تشكل نصف المجتمع الفلسطينى من اضطهاد مزدوج، قومى بسبب الاحتلال الإسرائيلى؛ وجنسى موروث من التقاليد العربية، يقوم على التمييز بين الجنسين، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تكون لبنة فاعلة فى الحركة الوطنية الفلسطينية وهو ماأهلها لتبوء مراكز قيادية في المجتمع الفلسطينى، فأسّست جمعياتها ومؤسساتها الخاصة منذ عشرينيات القرن الماضى. ولايمكن رؤية وضع المرأة الفلسطينية ومدى مشاركتها فى الحياة السياسية والعامة، وفى مواقع صنع القرار وتقلد المناصب العامة، إلا من خلال الغوص عميقاً فى الظروف المجتمعية التى تحيط بها، مما يحتم ضرورة إلقاء الضوء على واقعها المجتمعي، باعتباره عاملاً مهما فى تحديد ورسم ملامح هويتها و نتيجة مشاركة المرأة الفلسطينية الرجل فى مختلف مراحل النضال ضد الانتداب البريطاني، ثم الاحتلال الإسرائيلي؛ أخذت المرأة الفلسطينية موقعها فى صفوف المقاومة الفلسطينية، فاستشهدت العديد من النساء الفلسطينيات، كما حدث أثناء معركة البراق عام 1929عندما سقطت 9 شهيدات. لقد خاضت المرأة الفلسطينية غمار الحياة السياسية منذ أواخر القرن التاسع عشر، عندما نظمت المرأة الفلسطينية أول تظاهرة احتجاج ضد الاستيطان اليهودى فى فلسطين، بعد أن أقيمت أول مستوطنة يهودية فى منطقة العفولة الفلسطينية، وكان ذلك عام 1893، ثم أعقبها تشكيل الجمعيات الخيرية التى شكلت اللبنة الأولى لانطلاقة المرأة الفلسطينية نحو اندماجها فى قضايا مجتمعها؛ لتتبلور بعد ذلك نتيجة الظروف السياسية التى مرت بها البلاد. وكان للأهرام حوار مع إحدى النماذج المشرفة للمرأة الفلسطينية وهى العقيد هالة بليدى مدير عام العلاقات العامة والإعلام بالمخابرات العامة الفلسطينية، والتى تواجدت بالقاهرة لحضور دورة تدريبية حول المهارات التفاوضية والمساواة بين الجنسين و النوع الاجتماعى فى حفظ السلام والتى نظمتها منظمة المرأة العربية بالتعاون مع مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ السلام. وحول المرأة الفلسطينية ودورها فى الحياة السياسية قالت العقيد هالة، أعمل فى المخابرات العامة منذ 21 عاما، ودورى هو حلقة الوصل بين مؤسستى وبين المجتمع المدنى والدوائر الحكومية والوزارات حيث يتم عمل استبيان يومى للرأى العام والشارع الفلسطينى للوقوف على أوضاعهم وحل وتذليل العقبات والمشاكل الخاصة بهم مشيرة إلى انه لابد من التواصل مع الرأى العام خاصة فى حالة وجود قرارات سياسية جديدة لكى يتم تشكيل الرأى العام الذى يناسب سياسات الدولة. وتقول العقيد هالة أنها تقدمت للعمل بالمخابرات بطلب عادى جدا دون وسطاء وهى خريجة تربية وعلم نفس, وكذلك حاصلة على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية وتحضر حاليا الماجستير فى التحليل والارشاد النفسى. وأكدت العقيد هالة أن المرأة الفلسطينية لديها القدرة على النهوض بدولة فلسطين، ولديها الطموح من أجل فلسطين, والتغير لم يأت إلا بالعلم والسلم مشيرة إلى انهم الركيزتان الأساسيتان لحدوث التغيير وهما أهم من استخدام منطق الصراع أو النزاع أو الانشقاق. وأثنت العقيد هالة على المرأة الفلسطينية التى تحملت المعاناة النفسية منذ قيام الاحتلال، مقدمة رسالة تحية لكل أم شهيد وكل أم أسير وكل امرأة فلسطينية تعمل فى أى مجال مؤكدة على أن المرأة الفلسطينية مختلفة عن كل نساء العالم فهن لم يلدن أطفال بل ولدن أبطال، فمواجهة الاحتلال جعلتها فى ظروف غير طبيعية وبقيت صامدة، وأصبحت الآن قريبة من صنع القرار، فالمستوى الأكاديمى الذى تحصل علية المرأة الفلسطينية جعلها تتبوأ المراكز القيادية، وهذا يشكل مردودا إيجابيا يؤهلها للعمل السياسى والشعبى، وأصبح هناك تكافؤ بينها وبين الرجل، ولديها الفرصة فى تقديم الكثير من أجل تطوير فلسطين. واستشهدت العقيد هالة بالوزيرة حنان عشراوى المفاوضة الفلسطينية، سواء سياسيا أو اجتماعيا، وذكرت أيضا أن هناك دور كبير للمرأة فى الحكومة الفلسطينية حيث يتصدر المشهد 3 وزيرات فى الاقتصاد والآثار والسياحة ووزارة شئون المرأة. وحول الخلاف بين حركتى «حماس» و"فتح"، وإلى أى مدى يمكن التوصل لحل بينهما، أوضحت العقيد هالة أنه لابد من إيجاد حل بين الطرفين فى فترة وجيزة لأنه بدون التضافر والوحدة الفلسطيينة لا يمكن تحقيق التقدم ،مشيرة إلى أن من سياسات الرئيس الفلسطينى محمود عباس أن يكون هناك وحدة، ولذا ينبغى معالجة الشروخ وأن تكون فلسطين أرضا واحدة وشعبا واحدا ورئيسا واحد، ونحن كشعب فلسطينى ندرك تماما أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون هناك محافظات شمالية أو جنوبية، وأن الذى يدفع ثمن الانقسام هم الأفراد والأشخاص العاديون، وأعربت عن أملها أن تتحقق المصالحة فى أقرب وقت ممكن. وعن عمليات الطعن خلال الفترة الأخيرة من قبل الشباب الفلسطينى ضد الإسرائيليين، قالت الواقع المرير الذى يعيشه الفلسطينيون فى ظلال الاحتلال أدى إلى استخدامهم العنف فى مواجهة عنف قوات الاحتلال وقتلها للشباب الفلسطيني، ونحن نريد الحل السلمي، وطلاب سلام ولسنا طلاب حرب، ولا نؤمن بعمليات الطعن، كما لا نؤمن أيضا بقيام جنود الاحتلال بتصفية الشباب الفلسطينى فلابد من نبذ العنف بين الطرفين، والشعب الفلسطينى ليس مشروع شهادة، ولكنه شعب يريد أن يعيش فى محبة وسلام مع الآخر، بشرط الحصول على حقوقه العادلة.