الغلابة .. أقصد الناس الغلابة - وهم الآن «كَثُّْر» - برفع الكاف وسكون التاء وتشديد وضم الراء - يعني ما شاء الله يسدُون عين الشمس جوعا وعاجه وعوزا .. وأكثر من 32 في الماية منهم - حسب آخر الاحصائيات - أكاد اسمعهم يئنون ويتوجعون ولا يشكون - تحت خط الفقر - وحلني بقي لما يتخطونه -. والعبارة الأخيرة لمواطن علي المعاش لا يأكل اللحم - حسب قوله - إلا مرة أو مرتين بالكثير في الشهر ويشتريه من الجمعية من «أم 57 جنيها للكيلو» .. حتي لا يقع من طوله - وهو موش ناقص - إذا مر علي جزارين هذه الأيام للفرجة فقط وشاف كيلو اللحم وصل لحاجة وتسعين جنيه ... بعد أن ركب الغلاء بغلته وأبوه حمار وأمه فرسة وشرخ في طول البلاد وعرضها.! هؤلاء الناس الغلابة - ونصلف أهل مصر ليسوا بعيدين عنهم - سوف يقعون من طولهم وربما لن يفيقوا إلا إذا دلقنا عليهم »جردلين ميه« - إذا فاجأناهم - وهم يادوب فرحين و»آخر زأططة« بالعشرة في الماية التي أقرها الرئيس كتر خيره كما سمعتها بأذني في معاش الآباء والجدود والأرامل التي تجري علي يتامي زغب الحواصل لا ماء ولا شجر - كما كانوا يعلمونا في مدارس زمان - عن الصغار الذين ينتظرون في اصرار عودة أمهم بالطعام والشراب ... وهولن يخرج أبدا عن صحن فول وبادنجان مقلي وقرصين طعمية علي أكثر تقدير... أو طبق كشري في يوم السوق.. أقول وأكرر هؤلاء الناس الغلابة الذين ينادون عليهم كلما فتحوا التليفزيون في بيوتهم ليخرجوا عن دائرة همومهم التي لا تنتهي ... ينادون عليهم من كل صوب وحدب: تبرعوا لتحيا مصر .. ولو بجنيه! وهم عادة لا يتأخرون مادام الأمر يتعلق بمصر عشقهم وزادهم وأمسهم وحاضرهم وغدهم .. ونحن نعيش أياما مباركة ورمضان كريم.. ولكنهم لا يعرفون أن شهر رمضان هذا شهر التقي والبركات والصلوات والدعوات ... لم يعد كريما أبدا عليهم ..وكيلو الارز بقي ب 8 جنيه! ولكنهم كريم بل غاية الكرم والسخاء والبغددة والبهرجة بل والسفة إذا شئت القول في شهر الكرم والجود .. الذي لم يجد - شئنا أو لم نشأ - مخرجا لتوزيع هباته وفرط سخائه .. إلا جماعة الفنانين الذين يملأون الدنيا ضجيجا وصراخا ولعبا وغندرة وهزارا واسفافا وانحرافا أحيانا ... ولا يقدمون أجمل أعمالهم وعظيم فنهم إلا في الشهر الفضيل .. لأنهم أدركوا أن هناك علاقة وثيقة من فرفشة الصائم ونعنشته بعد الإفطار واللعب بعقله وبذقنه إذا لزم الأمر حتي آذان الفجر.. ليثبتوا لنا وللدنيا كلها أن رمضان هذا العام - وكل عام - كريما بل بالغ الكرم وسخيا بالغ السخاء عليهم هم وحدهم - ووحدهم هذه تعود إلي - طائفة الفنانين والفنانات والممثلين والراقصين والراقصات والطبالين والطبالات والزمارين واللاعبين علي نط حبل .. واللاعبات! .......... .......... يعني باختصار القول ودون لف ودوران وحاوريني يا طيطة.. رمضان ليس كريما علي الناس الغلابة رسميا ورئاسيا آه ..بالعشرة في الماية الزيادة في المعاشات وبعربات اللحم والدجاج التي ترسلها إلي الميادين والمدن والقري الجهاز المدني للقوات المسلحة. ولكنه للحق - والحق هو القول الفصل في رمضان حتي لا يبطل صيامنا - فإن رمضان ليس كريما هذه السنة علي الناس الغلابة التي تشويهم الأسعار ليل نهار - ارتفاعا بلا نزول - ولكنه كريم غاية الكرم وسخيا غاية السخاء علي ناس غيرهم وفئة أصبح رمضان بالنسبة لها هو ليلة القدر وباب الثراء الفاحش والأجور الخيالية الصادمة التي لا يكاد يصدقها أحد .. وتعني لدي سماعها إنها مجرد نكتة أو فرقعة إعلامية سخيفة ولكن سرعان ما يعلن المنادي للرايح والجاي أن ما يسمعونه حقيقة وأن الأرقام المعلنة دون حسد أو »نق« أو »قر« وهما كلمتان شعبيتان أقوي من الحسد أو قيل وقال... واسألوا أي ست بعيون مدورة ومقورة كما كانت تقول خالتي بهانة في الزمن الذي راح وولي. يعني رمضان بعد أن أدار ظهره للناس الغلابة غصبا عنه أصبح كريما بل فياض الكرم علي ناس غيرهم .. كل أسلحتهم التمثيل والرقص والطبل والزمر وكل ما هو رخيص وسيء ومنحرف وقليل الذمة وقليل الأدب إذا لزم الأمر! ولكن للحق ليس كل أهل الفن في رمضان.. طبالون وزمارون وراقصون وخالعون برقع الحياء وخالعات... ففيهم وفيهن من يقود بفنه وأدبه الدفة كلها نحو النور وفيهن من يحملن بأعمالهن راية الحق والصدق والجمال والفضيلة والكل هنا يقدم فنا راقيا. نحن هنا أيها السادة لا ننقد مسلسلات كبار النجوم والنجمات تلفزيونيا أو فنيا .. ولكننا فقط نتحدث عن حالة واحدة هي أجور هؤلاء الفنانين والفنانات في مسلسلات رمضان بالذات والتي تتكرر كل سنة وهي بالملايين... اللهم لا حسد ولا شماتة .. هذا رزقهم وهذا رزقهن »وفي السماء رزقهم إن كنتم تعلمون« .. كما تقول الآية الكريمة. صحيح أن شركات الإنتاج والمحطات الفضائية والناس المستريحة علي الآخر - من دون حسد أو نق أو قر - فهذا رزقهم الذي كتبه الله لهم .. هي التي تدفع أجور الفنانين والفنانات في المسلسلات التي تذاع علينا - سواء أردناها أو لم نرضي بها - في القنوات الفضائية كم دفعت شركات الإنتاج في مسلسلات هذه المحطات التليفزيونية. هذا هو السؤال .......... .......... والجواب: لقد دفعت هذه الشركات 236 مليون جنيه أجور فقط للممثلين الكبار والممثلات في بعض المسلسلات فقط التي تسهر الناس أمامها كل ليلة .. بينما الغلابة في بلدنا مطلوب منهم التبرع ولو بجنيه لتحيا مصر .. أية الحكاية؟ وأيه الرواية؟ لنبدأ بالزعيم ولا زعيم غيره علي الشاشة الصغيرة والشاشة الكبيرة والمني منها التليفزيون والسينما.. لنقرأ ما جاء في صفحة شاشة رمضان للمبدعة فاطمة شعراوي: الميزانية الأعلي رقما في مسلسلات رمضان كانت من نصيب مسلسل مأمون وشركاه الذي يقوم ببطولته صديقنا العزيز عادل إمام ... ورقم الميزانية قفز إلي رقم خيالي 90 مليون جنيه .. ما هو نصيب عمنا مأمون - أقصد عادل إمام - في هذا الرقم المخيف 40 للزعيم وحده يعني نحو نصف ميزانية المسلسل كله. لا يهمنا هنا بالطبع ماذا سيحصل الباقون من تورتة المسلسل بعد أن هبر الزعيم أكثر من نصف التورتة! وأسف لكلمة هبر .. فهو فنان عظيم ويستحق لفنه العظيم .. مفاتيح خزائن البنك المركزي نفسه! أما صديقنا العزيز رقم اثنين والمعني به القدير محمود عبدالعزيز الذي كان لنا معا حوار في العزبة حول كتابي »الشيطان يسكن المدينة« وإعجابه بل وانبهاره برحلتي بحثا عن الكنوز الفرعونية في مثلث الشيطان في صحراء مصر الغربية والتي تمني محمود عبدالعزيز يومها أن يذهب يوما مع العراف المغربي لاستخراج كنوز الفراعين العظام.. أقول صديقنا محمود عبدالعزيز هو بطل مسلسل »رأس الغول« الذي خصصوا له 50 مليون جنيه ميزانية له نصيب صديقنا محمود عبدالعزيز منها 30 مليون اللهم يزيد اللهم يبارك. أما محمد رمضان معبود سكان العشوائيات والأحياء الشعبية بوصفه البطل الأسطوري لشبابه وفتيانه فقد حصل علي 22 مليون جنيه مقابل بطولة مسلسل »الأسطورة«. أما الفنان الكبير يحيي الفخراني بطل مسلسل »ونوس« فقد حصل علي 28 مليون جنيه وحصلت الفنانة المبدعة نيللي كريم علي 15 مليون جنيه مقابل دورها في مسلسل »سقوط حر«. أما الفنانة يسرا فقد كان نصيبها 10 ملايين جنيه نظير دورها في مسلسل »فوق مستوي الشبهات«. أمام مسلسل »المغني« الذي يقوم ببطولته الفنان المطرب محمد منير فقد كان نصيبه 22 مليون جنيه من أصل 35 مليون تكلفة المسلسل كله! كما نالت الفنانة صاحبة الوجه المصري الأصيل الذي أحبه والتي اسمها مي عز الدين 15 مليون جنيه مقابل قيامها ببطولة مسلسل »وعد« من أصل ميزانية المسلسل التي بلغت 25 مليونا. كما حصل الفنان عمرو يوسف علي 10 ملايين مقابل قيامه ببطولة مسلسل »جراند أوتيل«. أما الفنان القدير مصطفي شعبان فقد حصل علي 17 مليون جنيه مقابل بطولته لمسلسل »أبو البنات«. وبعملية حسابية بسيطة وجدت أن أجور هؤلاء الفنانين العظام قد بلغت في رمضاننا هذا بعملية جمع بسيطة: 236 مليون جنيه! .......... .......... ولكن صديقي المخرج الطيب الذي آثر إلا أذكر اسمه منعا للاحراج راح يتساءل - ونحن نتناول سحورنا في حي الحسين في مطعم صغير أمام لوكانة »نوم العوافي« التي سرقوا فيها محفظة عمنا نجيب الريحاني في فيلم: »سي عمر« -: ألم نسمع فنانونا العظام وفناناتنا اللي آخر حلاوة ما فعله فنانون عظام أمثال إنجلينا چولي سفيرة النوايا الحسنة من قبل الأممالمتحدة التي ذهبت إلي مخيمات اللاجئين السوريين وعانقت الأطفال وبذلت مع زوجها النجم الشهير براد بيت بالمال والعرق والوقت والمجهود، كما زارت مخيم اللاجئين السوريين والليبيين في جزيرة تي بإيطاليا! أما عم النجوم وبطل فيلم »تيتانيك« الشهير ليوناردو دي كابريو - 41 سنة - فقد تبرع ب3 ملايين دولار لضحايا زلزال هايتي + 35 مليون دولار لتعليم الأطفال في أكوادرو + 3 ملايين دولار للنمور المهددة بالانقراض في غابات العالم! أما الأمير تشارليس زوج الأميرة الراحلة ديانا فقد تبرع هو الآخر ب11 مليون يورو للاجئين العراقيين + 7 ملايين يورو للاجئين السوريين! ودعني أسجل هنا أنه لم يزر مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان أي فنان مصري أو أي فنانة مصرية .. لا نقول إن يتبرعوا لهم .. بل فقط مجرد زيارة جبر خاطر ليس أكثر ... عيب والله عيب! كما لم يتبرع فنان أو فنانة من أبطال وبطلات مسلسلات رمضان الأفاضل ولو بزيارة مجرد زيارة؟ ولماذا لم نسمع ولو مرة واحدة أن فنانا كبيرا أو فنانة مشهورة بني مدرسة للأطفال أو مستشفي لعلاج الأمراض المستعصية أو تبني عشرة طلاب فقط من الابتدائي حتي الجامعة أو تبني عشر طلاب في معهد السينما حتي يتخرجوا؟ لو كنت مخطئا قوموني ولو كنت محقا أيدوني! ................. ............... وصبح لي علي أهل الفن في رمضان ب221 مليون جنيه.. وصبح لي علي تحيا مصر.. ولو بجنيه.. وعجبي!{ Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى