يحمل أدواته البدائية ويخرج كل ليلة, يجول الشوارع مثل تنين متجول يعرف أن له أخوة وأخوات في شوارع العالم, نصف جسده العلوي عار, وعيناه ملونتان بكل ما رآه في حياته. يختار ميدانا صغيرا, تتناثر فيه موائد طعام يأكل عليها أناس كثيرون, بينما يجلس آخرون أو يقفون في جوانب الميدان بانتظار سحابة أو حلم, أو ظهور تنين متجول, ودائما ما يحصلون عليه, هو الآن يقف بمنتصف الميدان ليؤدي ألعابه, يضع علي الأرض لوحا خشبيا به مسامير بارزة, يدور دورتين حول اللوح وهو يغني أغنية لا يفهمها أحد, ثم بهدوء يتمدد بظهره العاري علي رءوس المسامير وينظر للسماء القريبة, ينادي أسماء غريبة لا تخص أحد الموجودين, فلا يعرفون إن كان ينادي النجمات أم أخوته وأخواته في شوارع العالم. يطلب التنين أن يتبرع أحد المتفرجين بدقيقة يتمشي فيها فوق جسمه, ويطلب منه أن يتوقف عند صدره, فيسمع المتفرج ضربات قلب التنين تنبض تحت قدميه صعودا لقلبه وأذنيه, وعندما ينظر إليه يراه مبتسما للسماء وهو يغني أغنياته الغريبة. يعود المتفرج إلي مكانه في ركن بالميدان, ينهض التنين, يعرض ظهره للجمهور وكيف أن المسامير لم تخترقه, حتي لم تخدشه, يعرف أنهم يتساءلون في كل مرة كيف يفعل ذلك؟!, وكما يبدو لم يكن في الأمر خدعة, فهو يؤدي ألعابه يدويا, بلا مساعدة من دخان, ألوان, موسيقا, أو شابة جميلة. يعرفون أنه لا يخدعهم. يضع التنين لوح المسامير بجانب الشارع, ويبدأ لعبة النار التي يحبونها, يمسك بأسياخ حديدية قصيرة رءوسها مشتعلة, يدخلها فمه, ثم يخرجها والنار ما زالت صاحية, يمسك بأسياخ منطفئة وينفخ فيها فتشتعل, حتي يبدو كأنما يحتفظ بالنار داخله ويمنح بعضها لأسياخ الحديد, أو أنه يشعلها بأنفاسه, وعندما تتملكه نشوة اللعب يستعمل نيران كثيفة, وشعلات لا يتمكن أحد من عدها, فيلتهب الهواء, ويصير جسده بلون الذهب, يقولون: يعلم التنانين كيف تخرج النار من فمها, يقولون: يعبئ التناين بالنار كل سبعة أيام, هو لا يقول أي شيء غير أن ينادي أخوته التنانين, يبعثر النار من كل مكان في جسده, ويدخلها كل مكان من جسده, لا يتوقف حتي يصير براقا كذهب ساخن, شفافا كحبة كريستال باردة, فيسقط للأرض وحوله شعلات النار, يتركونه حتي تنطفئ وينام جسده, عندها يعرفون أنه قد مات مثلما فعل الليلة الماضية, والتي قبلها, وكل الليالي الأخري, لكنهم لا يتأكدون من ذلك إلا بعد أن يلصقوا آذانهم بقلبه, فلا يسمعون دقاته, ويرون بعيونهم ذلك اللون في وجهه, فيحملونه لجانب الشارع ويتركونه, وقبل أن ينصرفوا, تظهر طفلة تنينة صغيرة, تشقهم إليه وتقرفص عند صدره, تتعرف علي وجهه بيديها, وتشم فمه لتتأكد من رائحة النار, ثم تطرق قلبه مرة أو مرتين, فيسعل مرة أو مرتين ويفتح عينيه, تقول له: ز س بيدها, ويصحبها لأقرب بائع طعام متجول.