قرأت رسالة الأستاذ يحيي الابراشي ببريد السبت بعنوان الزفاف الأسطوري, التي يستنكر فيها البذخ والإسراف في حفلات الزفاف, الذي قدره بسبعة مليارات جنيه سنويا, ويدعو إلي إنفاق هذه الأموال في أعمال الخير. والتخفيف من معاناة المواطنين, وعلاج مشكلات المجتمع بدلا من إنفاقها علي الأفراح والليالي الملاح, اتباعا لأخلاقيات وصفات السف الصالح. وأرجو من قراء البريد أن يلاحظوا معي أن الإنفاق البذخي علي الاحتفالات ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات منذ قديم الأزل, ولعلنا نذكر موكب زفاف قطر الندي بنت خمارويه بن طولون علي الخليفة العباسي في القرن التاسع الميلادي, الذي ظل المصريون يتغنون في أفراحهم (حتي الآن) بطول موكب الزفاف الذي بدأ من القطائع وانتهي في بغداد, وكيف أن الجمال التي تحمل جهاز العروس كانت تتغذي بعسل الشهد, وقد ظل المصريون ينفقون ببذخ علي احتفالاتهم (خاصة الحكام والأمراء والميسورين), لكن هذا لم يمنعهم من الإنفاق بكرم علي أعمال الخير, ومن ذلك ما أنفقوه (اقتطاعا من أقواتهم) علي الأزهر الشريف ليظل مفتوحا يؤدي دوره التعليمي والتنويري لجميع مسلمي العالم, وكذلك ما تم إنفاقه في ترتيب معايش منتظمة لفقراء مصر والحجاز, وتأمين كفالة حجاج بيت الله من أرجاء المعمورة. كما أظهرت دراسات حديثة أجراها العديد من علماء الاجتماع أن إنفاق المصريين علي أعمال الخير والتكافل الاجتماعي من أعلي المعدلات في العالم. أيضا فإن الإنفاق البذخي ليس كله شرورا وأضرارا, لأنه في النهاية يعد أحد أنشطة السياحة الداخلية التي يمكن في ظل إدارة قادرة رشيدة للدولة أن يعظم إيرادات الموازنة العامة في شكل ضرائب دخل ومبيعات ورسوم, كما يمكن مضاعفة مساهمته في توفير فرص عمل, ورواج اقتصادي, وزيادة في حجم الادخار والاستثمار, مما يمكن المجتمع من القضاء علي الكثير مما يعانيه المواطنون, كما تفعل كل الدول الحديثة. تلقيت هذه الرسالة من الأستاذ محفوظ أبو كيلة المحاضر باقتصاديات المالية العامة, ويكشف فيها عن الجوانب غير الملموسة لإنفاق الأغنياء الذي ينعكس بصورة أو بأخري علي الفقراء, سواء بالنسبة للضرائب أو العمالة أو خلافه, لكن هذا لا يمنع من أن يفكر الأغنياء من تلقاء أنفسهم في استقطاع جزء ولو يسيرا مما ينفقونه لأوجه الخير, وهذا أيضا يصب في ميزان حسناتهم, ويؤكد دورهم الاجتماعي.