«إيف فلوجانس باتو» ممثل وكاتب ومخرج مسرحى إيفواري، فى الثلاثين من عمره، شارك فى العديد من الأعمال المسرحية والتليفزيونية، ومن أعماله المسرحية ال ««thébaïque «أفيوني»، وهى رواية كنغولوية قام بصياغتها للمسرح والتمثيل فيها. تخرج من المعهد العالى للفنون فى «كوت ديفوار» عام 2008 وسعى لتنظيم «مهرجان للفنون لذوى الاحتياجات الخاصة» ليتيح لهم التمثيل والرقص والغناء والرسم بمساعدة أصدقائه. وحاز ديبلومة فى الإدارة السياسية والاقتصادية للمؤسسات الفنية من «جامعة سنجور» بالاسكندرية فى 2014. أجرينا معه هذا الحوار للوقوف على أحوال الثقافة الإيفوارية عن قرب: بداية نريد أن نعرف سبب دراستك لدبلومة فى فنون إدارة للمؤسسات الفنية وأنت ممثل وسيناريست؟ فى الحقيقة المجال الدراسى فى الدراما والمسرح والسينما فقير، ويمكننا القول بأنه محدود وليس فيه الكثير لنتعلمه، فإذا كنت أعرف كافة فنون التمثيل والإخراج والكتابة والنقد فلابد لى من دراسة إدارة الأعمال لأتمكن من توسيع خبراتي، وأخذت الشق الذى يفيدنى فى مجال عملي، وهى إدارة المؤسسات الفنية. بحكم عملك فى المجال الفني، والمسرحى تحديدا فى بلدك «كوت ديفوار» هل يمكنك أن تعرفنا بطبيعة الحركة الفنية عندكم، والمسرحية بشكل خاص لأننا فى مصر لا نعرف عنكم الكثير؟. الفن فى «كوت ديفوار» مرَّ بأربعة مراحل، الأولى قبل الاحتلال الفرنسى حيث كانت هناك حركة فنية فى الرسم والموسيقى والتمثيل، نابعة من الحضارة الإيفوارية القديمة التى هى جزء من الحضارة الأفريقية، لكننا لا نستطيع أن نؤرخ لها كبدايات فنية حقيقية فى بلدنا، ولا يمكن إغفالها لأننا نرى فى تلك الفترة حركة فنية قوية تفاعلت مع فنون الحضارة الأفريقية ككل بما فيها من رقص وغناء ورسم. وبعد الاحتلال يمكن القول أن الحركة الفنية انقسمت إلى ثلاث مراحل، أثناء الاحتلال، وعقب الاستقلال مباشرة، والمرحلة الحالية. وأثناء الاحتلال كان هناك تدخل واضح من سلطات الاحتلال فيما يتم تقديمه على المسرح بما يتفق مع رغباتهم والأفكار التى يريدون تقديمها للشعب الإيفوارى التى كانت لا تعبر عن احتياجاته ورغباته، وكان جمهور المسرح من الصفوة الرأسمالية لأن ما كان يقدم لم يكن يتحدث إلى الشعب الايفوارى ككل، بل إلى طبقة الإيليت فقط. والمرحلة الثانية عقب الاستقلال مباشرة، والعقول والأفكار كانت أكثر حرية واستنارة حيث ذهب المحتل الفرنسى بكل قيوده على الحركة الفنية والثقافية، وظهرت روح الفنان الايفوارى من جديد، لكن كانت هناك مشكلات واجهت الحركة الفنية فى تلك الفترة، أهمها أن الذين يعملون بالمجال الفنى كانوا من الصفوة الذين تعلموا الفنون فى فترة الاحتلال فكانوا إلى حد كبير منفصلين عن الواقع المعيش لمعظم الشعب الإيفواري، ولم يستطيعوا التعبير عن رغباته واحتياجاته بشكل كبير. بالإضافة إلى أن السلطة الحاكمة كانت فى كثير من الأحيان تلعب دور الرقيب على ما يتم تقديمه من أفكار واراء مختلفة بحجة الحفاظ على مكاسب الاستقلال فى تلك المرحلة وحماية الشعب وكانت هذه مشكلة كبيرة، لكن هناك كثير من الأعمال المسرحية التى سعت لتجسيد ذلك مثل رواية «توجونيمي» التى سعت لتصوير الحقبة التاريخية عقب الاستقلال وما بها من مشكلات العدالة وقهر السلطة للايفواريين بحجة حماية الاستقلال. والمرحلة الثالثة هى الحالية، وهناك قدر كبير من التنوع فى الأعمال المقدمة المسرح الايفوارى وتنوع فى القضايا المطروحة والأفكار، وأصبح هناك عرض للطموحات الخاصة بالشباب ورغباتهم المشاكل التى يواجهونها كالبطالة, وهناك طرح جديد لقضايا المرأة ومشكلاتها المجتمعية من تعليم ورعاية صحية ومشكلات الزواج وغيرها، وزاد عدد الكتاب والكتابات المسرحية المقدمة وتنوعت العروض بين السياسى والترفيهى والتراجيدى والميلودراما، والأعمال المزدهرة الآن تتسم بقدر من التوازن فى الآراء والقضايا التى تتناولها. كوت ديفوار جزء من النسيج الأفريقى وبالضرورة هناك قدر من التأثير والتأثر بين الثقافتين الايفوارية خاصة والأفريقية عموما فكيف ترى هذا التداخل؟ الثقافة الإيفوارية جزء من الثقافة الأفريقية لا تنفصل عنها، فكوت ديفوار هى النافذة الغربية لأفريقيا على العالم ككل، وتتأثر بأفريقيا وتؤثر فيها، خاصة وأن 26% من سكان «كوت ديفوار» من جنسيات أفريقية أتت بثقافاتها وعاداتها وتقاليدها واندمجت فى الثقافة الإيفوارية التى تتميز بالانفتاح على غيرها من الثقافات وليست دولة جامدة. وكذلك لنا حدود مشتركة مع دول أفريقية هى توجو وغانا من الشرق، وليبيريا من الغرب، ومالى وبوركينا فاسو من الشمال، وكل هذه الدول لها طابعها الثقافى والاجتماعى وتشاركها كوت ديفوار فى هذه الجوانب، فمثلا لدينا رقصة الرومبا وهى من أشهر الرقصات فى كوت ديفوار، وهى فى الأصل رقصة من الكونغو وليست إيفوارية بالرغم من شهرتها فى كوت ديفوار عن دولتها الأصلية الكونغو. هل تتدخل السلطة السياسية فيما يتم تقديمه فى المسرح الإيفوارى أم تتمتعون بقدر كبير من حرية التعبير؟ بصفة عامة يمكننى القول أن هناك حرية تعبير فى الفن الإيفواري، ونستطيع مناقشة أية قضية، فلا يوجد فنان تم سجنه نتيجة آرائه المعارضة أو ما يقدمه من فن, لكن هذا لا يمنع أنها مثل الكثير من الدول الأفريقية لديها خطوط عامة لا يمكن الحديث فيها سياسيا، وتوضع فى إطار البلبة المجتمعية، أو من أجل الحفاظ على هيبة الدولة، وغيرها من المسميات التى توجد فى كل دول العالم وليست فى القارة الأفريقية فقط بل فى العالم ككل. هل هناك بعض قضايا مجتمعية لا يمكن تقديمها على المسرح أو فى السينما أو التليفزيون السنغالى لتعارضها مع العادات والتقاليد؟ بصفة عامة الفن فى أى مكان قادر على مواجهة التحديات الكامنة فى العادات والتقاليد، والحركة الفنية فى «كوت ديفوار» منفتحة وحرة، لكن هذا لا يمنع وجود بعض المحظورات المرتبطة بالثقافة الشعبية ككل، والفن لا يمكنه تخطيها، مثلا فى غرب «كوت ديفوار» هناك ما يعرف ب «رواة الملوك» الذين يقومون بقص روايات الأولين عن حياة الملوك والعائلات النبيلة، والأصول الخاصة بكل عائلة، وعن تكوين الممالك والدول الأفريقية القديمة، وهؤلاء لهم قدسية كبيرة فى الدولة والفن الايفواري، وكثير من الأعمال الفنية أخذت من رواياتهم، ولابد أن تنسب إليهم هذه الروايات فى الأعمال الفنية المختلفة، ولا يمكن لأى عمل فنى التصرف هذه الروايات بالاضافة أو الحذف، لكن مسموح بمعالجتها فقط. ما الدور الذى يلعبه الفن فى حماية التراث الإيفوارى والحضارة القديمة؟ الحركة الفنية فى كوت ديفوار بالرغم من ميلها إلى الحداثة والتطوير تأخذ على عاتقها حماية التراث الإيفوارى الذى يربط المواطن بجذوره القديمة، خاصة أن كثيرا ممن يعيشون الآن والشباب بحاجة لربطهم بالماضي، وهنا يبرز دور الفن فى تعريفهم بتاريخ بلادهم، وعندنا مثلا كورس تعليمى عن الطبول وكيفية قرعها يسمى «درامالوجي» وهو يوضح قدسية الطبول فب تاريخ أفريقيا، وكيف أن كل نغمة تعبر عن حالة نفسية وفنية محددة، وعن موقف ما, وبالتالى يخرج من كونه فنا عشوائيا إلى علم له قواعد وأصول ونابع من التاريخ الإيفوارى والأفريقي. هل يمكنك إطلاعنا على الموجة الفنية الشبابية فى «كوت ديفوار» الآن ومدى تعبيرها عن أحلام وطموحات الأجيال الجديدة؟. الشباب حققوا طفرة نوعية فى الفن الإيفواري، وسعوا للتمرد على اللغة الفرنسية باعتبارها لغة المستعمر واخترعوا لغة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم «نوشى Nochi »، وهى مزيج من لغات محلية ايفوارية والفرنسية، وكتبوا بها أعمالا فنية للمسرح والسينما ولاقت رواجا كبيرا لدى جمهور الشباب، ومن هذه الأعمال «Yopougon dans le quartier » «يوبا جون» (اسم منطقة) وهى من أشهر الأعمال الدرامية باللغة النوشية. وكذلك يقدم الشباب وجهات نظرهم فى المجتمع الذى يعيشون فيه من موسيقى ومسرح وتليفزيون وسينما ورقص، ويطرحون القضايا التى تشغلهم والمشكلات التى يعانونها، ويمكننى القول أن الموجة الفنية الشبابية فى «كوت ديفوار» مزدهرة ومتألقة.