القبض على أكثر من 12 شخصا بتهمة تقديم رشاوي في سوهاج والفيوم والإسكندرية والبحيرة    الصندوق وفقراء مصر!    مؤسسة بنك مصر وبنك الطعام يوقعان بروتوكولا لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع «هنوصل ليها ونقويها»    البرلمان العربي يدين التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجدًا في حمص السورية    وزير الدفاع السعودي يدعو الانفصاليين في اليمن إلى إنهاء التصعيد    مسؤول أمريكي سابق: تصريحات إيران بشأن المحادثات النووية قد لا تكون ذات أهمية حاسمة    تشكيل تشيلسي أمام أستون فيلا في البريميرليج    الهدف ال1000.. رونالدو يواصل رحلة البحث عن حلمه الأكبر    ثنائية رونالدو تمنح النصر التقدم على الأخدود في الشوط الأول    تأجيل محاكمة المتهمين في رشوة التموين ل 22 فبراير    مهرجان القاهرة السينمائي ينعى الراحل داوود عبد السيد    وزير الإسكان يتفقد مشروع "حدائق تلال الفسطاط" بمحافظة القاهرة    الجيش الملكي يعلن الاستئناف على عقوبات الكاف بعد مباراة الأهلي    خبراء: الاستيراد والتعاقدات طويلة الأجل ساهمت في استقرار أسعار القمح محليًا رغم الارتفاع العالمي    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    ياسين منصور يسلط الضوء على دور العقارات والسياحة المتكاملة فى تعزيز الاقتصاد المصرى    وزير الرياضة ومحافظ القاهرة يشهدان ختام نهائي دوري القهاوي للطاولة والدومينو    شعبة المستوردين: المشروعات القومية تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز في مصر    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فتي الدارك ويب ل 24 يناير    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    ترامب يطالب بكشف "الملفات السوداء" لإبستين ويتهم الديمقراطيين بالتورط    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    علاج حرقة المعدة المستمرة بالمنزل، ومتى تتحول إلى مرض مزمن؟    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يستخدم المدرعات والروبوتات المفخخة ويكثف قصفه شرق غزة    أمم إفريقيا - دوكو دودو ل في الجول: كنا نستحق نتيجة أفضل أمام الكونغو.. ونريد الوصول إلى أبعد نقطة    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    محافظ البحيرة تتفقد لجان انتخابات النواب.. وتؤكد على الحياد أمام جميع المرشحين    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "الملحد" ل أحمد حاتم    قرار وزاري من وزير العمل بشأن تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية    مواعيد وضوابط التقييمات النهائية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    تطورات الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    القبض على أجنبي لتحرشه بسيدة في عابدين    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    روسيا: تنفيذ ضربة مكثفة ضد البنية التحتية للطاقة والصناعة الدفاعية الأوكرانية    الغش ممنوع تماما.. 10 تعليمات صارمة من المديريات التعليمية لامتحانات الفصل الدراسي الأول    الداخلية: ضبط 866 كيلو مخدرات و157 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    إصلاح كسر خط مياه بشارع 17 بمدينة بنى سويف    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    انطلاق الدورة 37 لمؤتمر أدباء مصر بالعريش    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد السبت يكتبه - أحمد البرى:
الفجر الجديد
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 06 - 2016

اهتم المفكرون المعاصرون برغم اختلاف مآربهم منذ بداية القرن العشرين بأزمة الإنسان المعاصر، وكان الفلاسفة الوجوديون تحديدا هم أكثرهم شعورا وإدراكا بفداحة المأساة التى يعيشها إنسان هذا العصر، فهو على حد تعبيرهم بات مأزوما بقضية هى الأكثر عمقا فى تاريخ البشرية ألا وهى قضية الاغتراب (الاغتراب عند هيدجر الفيلسوف الألمانى «غربة الوطن»).
الغريب فى الموضوع أن قضية الاغتراب هذه واكبت تطورات مذهلة فى التنمية البشرية شملت التكنولوجيا والارتفاع فى معدل العمر المتوقع وازدياد التحصيل العلمى، وتحسن مستوى التغذية، وانخفاض عدد الفقراء المدقعين، كما صاحبت هذا كله قفزة معرفية تمثلت بصورة أساسية فى ثورة الاتصالات التى حولت عالمنا بقاراته وأصقاعه إلى قرية كونية متصلة ببعضها عبر وسائل إعلام غير مسبوقة، ولكن هل قاد هذا التقدم إلى تقدم مماثل سواء فى سعادة ورفاهة الإنسان أو فى علاقاته الإنسانية بالتوازى مع ثورة الاتصالات؟، وهل بات إنسان اليوم أكثر وفاقا وتصالحا مع نفسه أو المجتمع أو الكون مما كان عليه قبل الثورة المعاصرة؟!.
هذا ما تنفيه الأرقام والدراسات الاجتماعية والنفسية التى أجمعت على أن الاكتئاب متزايد فى الغرب منذ الخمسينيات على الرغم من الرفاهية الظاهرة، وقد بين استطلاع شمل 22 ألف بريطانى يعيشون فى المدن معظمهم دون الأربعين، أن 76% منهم يشعرون بتعب دائم، و58% بتقلبات المزاج، و52% بالإفتقار إلى العاطفة والحوافز، و50% يعانون القلق والاكتئاب وصعوبة النوم والتركيز وضعف الذاكرة، ويذكر عالم الاجتماع الفرنسى «ادرجار موران» أن القدرة الشرائية تزايدت فى فرنسا 3 مرات بين 1960 و1990، لكن هذا النجاح الاقتصادى كان مقابل ثمن إنسانى باهظ تجلى فى الاستهلاك المسعور لأدوية الأمراض العقلية ومضادات الانهيار العصبى التى تضاعفت 6 مرات وعدد المنتحرين الذى تضاعف 3 مرات.. إنها أزمة المعنى التى دار ومازال يدور حولها جدل كبير فى علم الاجتماع الغربى، والتى تنبعث من شعور الإنسان المعاصر بالتعاسة والتوتر، على الرغم من إشباع احتياجاته الضرورية والكمالية بدرجة لم تحدث فى أى حقبة تاريخية سابقة.
وفى هذا السياق، ذهب المفكر الرأسمالى «جوناثان بوريت» إلى أن الأساس الاجتماعى للاستياء فى المجتمع المعاصر لا يكمن فى الدخل فقط، بل أيضا فى وحشة الوحدة والسأم والاكتئاب والغربة، فمعظم مشكلات المجتمع الحديث نتيجة البنى الاجتماعية والأيدولوجيات التى تمنع الناس من ممارسة حياة مرضية فى مجتمعاتهم.
فلماذا ساهمت ثورة الاتصالات فى تعميق عزلة الإنسان المعاصر وغربته بدلا من أن تزيده التصاقا بالمجتمع وبأنداده من البشر؟، ولماذا أبعدت الفرد عن الناس بمقدار ما قربته إليهم؟، ولماذا تبدو تكنولوجيا الاتصال كأنها البديل الجاف والبارد لحرارة العلاقات الإنسانية؟!.. أسئلة نجد جوابا عنها فيما انتهى إليه التقدم الحضارى من تخلف عاطفى وأخلاقى، وتقهقر التضامن الحقيقى الذى يشعر به الناس ويعيشونه بالمؤانسة ومشاركة الغير ذاته وآلامه لإضفاء شاعرية على الحياة الإنسانية فى مواجهة الآلة الصناعية وتضخم العالم التقنى البيروقراطى، كما نجد جوابا عنها فيما آل إليه الواقع الإنسانى على يد الأيديولوجيات السياسية والاقتصادية التى هيمنت على العصر وقزمت أبعاده الروحية والإنسانية، فالرأسمالية التى كانت سبب نمو الإنتاج كانت أيضا سبب تحويل كل شىء إلى بضاعة، وقد حولت بفظاعتها وتوحشها إنسان العصر إلى رقم قابل للتداول والنفى والإلغاء وفق مقتضيات سوقها المادية، ولم تكن الاشتراكية بصيغتها البيروقراطية التى تم تداولها على مدى هذا العصر أقل توحشا وفظاظة، فقد سحقت الإنسان المعاصر وجعلته جزءا لا حول له ولا قيمة فى آلتها البيروقراطية.
إن أزمة الإنسان المعاصر صارت وجودية بفعل دوافع عديدة، أهمها فى رأيى عاطفى ويتمثل ليس فقط فى ذبول الصداقة الودودة، بل يمتد إلى ظاهرة «الحب الرومانسى» إحدى أنبل العواطف البشرية بفعل اختفاء المسافات المكانية الفاصلة بين الناس فى عالم متلاطم يسوده قانون زحام يخرج منهم أسوأ ما فيهم ويعطل أجمل ملكاتهم ويعرى الروح من خصوصيتها مما يفضى إلى تقويض عذريتها مع ما يصاحب ذلك من جرأة فى التعبير عن العواطف وسطحية مفرطة فى التعاطى معها، ومن ثم صارت القصص العاطفية قصيرة العمر، وإن طالت فإنها لا تنتج أثرا فى الروح ولا تغييرا فى معالم الطريق على نحو ما كان مفترضا من العاطفة التى تمثل فى حال صدقها إعادة اكتشاف الإنسانية.
والمشكلة أن ذبول العاطفة لا يتوقف عند كونها مؤثرة فى شتى العلاقات الإنسانية المحيطة بها (نموذج الفراشة) فمع شيوعها وتدفقها غالبا ما تنمو أواصر مجتمع رحيم أكثر ترابطا وانسجاما وأقل توترا وصراعا، فالمحب الصادق هو شخص قادر على التواصل مع الكون كله وليس مع المحبوب فقط، ومع اختفائها يصاب المجتمع بتصحر شديد تتسع معه المسافات الروحية بين الناس برغم تضاغطهم الجسدى، وينقطع بينهم التواصل على الرغم من النمو الفائق فى وسائل الاتصال.
إن هذه الأزمات أقلقت عالم النفس «كارل يوتنج» الذى رأى أن على الإنسان أن يبحث عن نفسه التى أضاعها فى خضم الأحداث والأزمات، فالإنسان نتيجة الإحباطات الفردية والجماعية وانهيار القيم الأخلاقية انقطع عن جذوره الروحية العميقة، واختل توزانه الداخلى، فبدأ يستغيث باحثا عن خلاص، لكنه بدلا من أن يفتش مخلصا عن مخرج من هذه الأزمة الوجودية الخانقة، استسلم لتيارات فكرية أخرى ظهرت فى تلك الفترة واستشرت وبدأت تسيطر عليه تيارات دعت إلى العبث واللاجدوى، فانتهت به إلى إحساس بالخواء واليأس والغربة وعدم الثقة بالمستقبل، وهذا ما دعا بدوره إلى ضرورة بروز بناء الحكمة والوعى الذى يعمل من أجل إنقاذ البشرية، وأن ينبلج فجر جديد تبزغ فيه شمس الأمل والمحبة والسلام، وربما كان على الإنسان أن يأمل فى حدوث ذلك فى الألفية الثالثة.
د. عماد إسماعيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.