هذه بعض من الكتابات الشبابية التي تعكس وجه نظر جيل جديد يحمل بداخله حلما كبيرا.. في البداية نتوقف عند الكاتب الشاب هيثم دبور الذي أصدر مؤخرا ديوانا جديدا تحت عنوان "حالة المصري " عن الدار المصرية اللبنانية تحمل قصائد الديوان كلها، علي تنوعها، مشاعر التوق إلي الحرية، ومحاولة الخروج من اشتراطات الواقع فهي أقرب إلي البوح الإنساني وفيها شجن بشري نبيل، يقترب من حدود الوجودي كفلسفة تحرر: .. »سيبني أفضفض أبدأ أناجي لك همومي القمر ده كاس مفضض فاضي.. مملي.. ثم فاضي كلها أيام بترحل وانت راضي« ذات الشاعر، في هذا الديوان، كما في أغلب عمله الشعري، تندمج في الحياة، وتراقب ولا تشعر بأنها ساكنة في برجها العاجي، تري الناس والواقع والوقائع من علٍ، بل هي مفردة ضمن مفردات هذا الواقع المعاش الضاغط، الفرق بينها، وبين غيرها، هو في نسبة الوعي بحركة الذات في اتصالها وانفصالها عن محيطها، في توقيت الاقتراب ولحظة الابتعاد. وهو انفصال واتصال يلامس حدود الاغتراب في مجمل القصائد، ليس الاغتراب العدمي، الذي يصدِّر الذات العليا - بمفهوم علم نفس الفن - بل الاغتراب الواعي بحركة وعجز الفرد في مواجهة مجتمعه، عجزه عن نيل حريته لارتباطه بواقعه، واشتراطاته، ووعيه بحتمية المصير البشري: »ومين حتي قبله قدر بس ياخد زمانّا وزمانه ماهي الدنيا سايرة وهتاخد مكانك كما كان في مثلك بتاخد مكانه وكله بأوانه«. إن محاولة تحميل هذا الشعر، بحمولة سياسية مباشرة، تقترب من ابتذاله، لأنه شعر، يقبض بنجاح علي مادته الخام من المشاعر والأحاسيس والتناقضات، وتبدل المواقف البشرية، والتماس الدفء بالمشاعر الإنسانية المشتركة، إنه يلتمس السياسة في الأشياء البسيطة، ويقترب منها كفعل بشري تنبع خيوطه من احتياجات الإنسان الطبيعية والروحية، لا في الأفكار الكبري والنظريات. تحتل تفاصيل الحياة وتكرارها، ورتابتها حيزًا كبيرًا، من قلق القصائد، وهي رغم عاديتها، وهذه الكآبة المتضمنة في تواليها دون انقطاع، تشكل مادة للتكامل، تستطيع حساسية الشاعر الموهوب أن تلتقط منها معني جديدًا للحياة، وفي الحياة، معني يجعل كل شيء محتملًا، ويكسب العلاقات الإنسانية، مع هذه التفاصيل، دفئًا، يجعل من تجدد الحياة هو الصيرورة الوحيدة، ويحمل نهرها علي التجدد دائمًا: »طبطب عليَّا لو سمحت أنا أصلي عيِّل لسه نفسه في طبطبة شكِّلني حاجة طيبة وارويني ساعة الحزن نكتة في مجلسك أو قصة حلوة تونِّسك«. حالة المصري في هذا الديوان، ليست مشاعر أو وقائع محلية، تقع في فخ الرصد والتبويب والمعرفة، بل هي مشاعر إنسانية مشتركة، تكتسب معناها العام والإنساني، من وحدة الوجود، ووحدة الإنسان، والشعر في جوهره، تعبير عن هذا المشترك الإنساني، ومن هنا يأخذ ضرورته وأهميته.. فالشعر ضرورة.. وآه لو أعرف ذلك، كما قال جان كوكتو، لكنها الضرورة هنا في حالة المصري التي تصطدم ببرودة الوقائع والتعاسة والتخلُّف، وهو صراع تجلي في أغلب قصائد الديوان، لكن روح الفن والشعر تنتصر دائمًا. الرؤية العامة في هذا الديوان، تنبع من عين بريئة، رغم وعيها، وكأنها عين طفل، يواجه العالم بدهشته البكر وفطرته، فيكتشف كم التناقضات الكامنة في تفاصيله، والغاية منها، فجاء أداؤه الشكلي أقرب إلي الدراما في تعقدها وتشابكها: »كانت تكيدني بالكلام والتريقة كل أمَّا يركبني الغلط كانت تقوللي واحنا لسه صغيَّرين »اشرب بقي« ضيعت عمرك في الأمور المهلكات ومشيت ورا ولاد السكك اشرب بقي واوعاك تعضعض في الصوابع م الندم هل فيه بكي يعيد اللي فات الدنيا كاس متزوقة اشرب بقي«.