لا أظن أنه يمكن أن يغيب عن كل الذين يراقبون المشهد السياسي الراهن أن مسئولية إدارة دولة بحجم مصر ليس مجرد' فهلوة' وأن السياسة ليست حقل تجارب وإنما هي مسئولية ثقيلة تخضع لكل أدوات الحساب الدقيق بحيث لا يكون هناك- قدر الإمكان- أي وجود لكلمة المفاجأة أو أي مكان لكلمة المصادفة. وإذا استشهدنا بما تقول به مبادئ العلوم السياسية فإن الرؤساء الضعفاء والمهزومين والمتواكلين فقط هم الذين يستمرئون استخدام كلمة المفاجأة أو تعبير المصادفة لتبرير العجز عن عدم القياس الصحيح للأمور في التوقيت الصحيح لها. إن أبسط مبادئ العلوم السياسية التي يمكن استخلاصها من دروس التاريخ هي أن الفرق بين أمة ناهضة وأمة متخلفة ينحصر في حجم وعمق الاستخدام لكلمة المفاجأة وتعبير المصادفة علي لسان رئيس الدولة.. وكلما قل استخدام هاتين المفردتين كان ذلك دليلا علي صحوة الأمة والعكس صحيح! فليس من السياسة في شيء أن يقال- مثلا- إننا كنا نتوقع كذا وكذا ولكننا فوجئنا بأن مسار الأحداث يتجه بنا إلي مسارات بعيدة ومختلفة, لأن المفروض في السياسة ومن يقومون علي إدارة شئونها أن يكونوا متأهبين لما هو قادم علي تعدد الاحتمالات فيه. وأيضا ليس في السياسة خيارات مستبعدة مهما كانت المبررات, وإنما تظل القاعدة الصحيحة في إدارة الصراعات والمعارك السياسية هي أن كل الخيارات مطروحة, وأن كل الاحتمالات واردة, وأن المسئولية السياسية تحتم ضرورة الاستعداد للمواجهة أو الجواب عندما يقع التحدي أو يطرح السؤال! بل إن هناك من يصل اعتقادهم- وأظن أن اعتقادهم صحيح- بأن الإدارة السياسية لا تختلف عن الإدارة العسكرية بمعني أن القواعد والأسس التي يقوم عليها بنيان الدولة الحديثة التي تصنع التقدم الملبي لطموحات شعبها لا تختلف عن القواعد والأسس التي يقوم عليها بنيان الإدارة العسكرية التي تتحسب لكل الاحتمالات وتستهدف النصر والنجاح هجوما أو دفاعا! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: ليس أشد حمقا ممن يعتقد أنه دائما علي صواب! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله