«فساد المحليات للركب» عبارة مشهورة تعكس تعامل أجهزة الإدارة المحلية مع المواطنين بعقلية الإكراه والتجاوز وفرض التبرعات مقابل منحهم الخدمات، فى الوقت الذى تغض فيه الطرف عن المخالفات، فقد كشف القضاء الإدارى عن احدى حالات الفساد بإجبار المواطنين على التبرع لمحافظة البحيرة مقابل إصدار تراخيص البناء بعد أن تقدم 400 مواطن بدعاوى يتضررون من دفع تبرعات إجبارية وصلت الى 9 ملايين جنيه، وأصدرت محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية الدائرة الاولى بالبحيرة حكما تاريخيا يتصدى لظاهرة إجبار المحافظين للمواطنين بدفع تبرعات مقابل منحهم تراخيص البناء وقررت المحكمة إلزام محافظة البحيرة برد 3 ملايين جنيه إلى 150 مواطنا أجبرتهم الادارة المحلية على التبرع مقابل الحصول على تراخيص البناء، فى حين رفضت طلب 250 مواطنا سددوا 6 ملايين جنيه لعدم تقديم مستندات ترخيص المبانى مما يشير الى احتمال وجود مخالفات فى البناء، ووصفت المحكمة هذا التبرع بأنه يعد أسوأ أنواع الجباية غير المشروعة. وأكدت المحكمة فى جلستها أمس برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ومحمود النجار وخالد شحاتة ووائل المغاورى نواب رئيس مجلس الدولة انه لا يجوز للمحافظين إجبار المواطنين على التبرع لاستصدار تراخيص البناء، كما أكدت ان المشرع الدستورى حظر على المحافظين والوزراء تكليف المواطنين بأداء أى رسوم الا فى حدود القانون مهما تكن مسمياتها والا اصبحت جباية بالمخالفة لأحكام الدستور، وأكدت ان اجبار المحليات للمواطنين على التبرع مقابل اغفال عيونهم عن مخالفات البناء ادى الى انتشار العشوائيات وتشويه جمال البناء المعمارى الذى اشتهرت به مصر فى منتصف القرن الماضى كما أن إلزام المحافظين باجبار المواطنين على التبرع يجعلهم يعزفون عن احترام السبل القانونية السليمة ويجعلهم فى مركز أسوأ ممن لا يحترم القانون.وان المشرع الدستورى وضع أصلا عاما من مقتضاه عدم تكليف المواطنين بأداء ضريبة إلا إذا صدر بها قانون أما الرسم وهو مبلغ من المال يجبيه احد الاشخاص العامة من افراد المواطنين نظير خدمة معينة تؤديها الدولة اليه فلا يجوز فرضه الا فى حدود القانون يكتفى فيه المشرع بتقرير مبدأ الرسم تاركا شروط دفعه وتحديد سعره الى سلطة أخري، وانه باستقراء نصوص قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية فانها قد خلت من ثمة نص يجيز للمحافظين فرض تبرعات اجبارية على المواطنين مقابل الحصول على تراخيص البناء سوى الرسوم المقررة قانونا فى الشأن، ومن ثم لا يجوز للمحافظين تحصيل اية مبالغ اخرى من المواطنين تحت مسمى تبرع أو خلافه، أخذا بعين الاعتبار ان التبرع يجب أن يكون واضح الدلالة فى نية المتبرع ومقصده. وقد كشف سيل الدعاوي ان المحافظ فرض جبايته على المواطنين بصورة جماعية، وأنه لا يجوز للمحافظ او اجهزته المحلية أو الادارية تحصيل مثل هذه المبالغ تحت أى مسمى ولو كانت تبرعات لمجافاة ذلك أحكام الدستور وعدم استقامته على سند صحيح من القانون. وأوضحت المحكمة انه من بين الدعاوى الصارخة المرفوعة من المواطن عمرو عبد اللاه الصادر لصالحه ترخيص البناء عام 2008 ببناء بدروم ودور أرضى وعشرة ادوار علوية أن الادارة اصدرت قرارا بوقف الترخيص بحجة فحص المستندات بناء على تعليمات من محافظ البحيرة، وذلك دون ان تبين أى مخالفة وقعت من المدعى اثناء تنفيذه اعمال البناء طبقا للترخيص وكشفت اوراق الدعوى أن الجهة الادارية اصدرت قرارها بوقف الترخيص لاجبار المدعى على اصدار الشيك رقم 4507602 فى 15/10/2009 المسحوب على أحد البنوك والذى تم تحصيله بمبلغ خمسمائة الف جنيه وفى ذات اليوم حررت الجهة الادارية كتابين الى كل من المدعى ومأمور قسم شرطة بندر دمنهور تخطرهما بأن الاسباب التى تم بمقتضاها وقف أعمال الترخيص البناء الممنوح للمدعى قد انتفت وان الوحدة المحلية بدمنهور ليس لديها ما يمنع من استئناف الأعمال وطلبت من مأمور قسم شرطة دمنهور رفع الحراسة عن العقار ملك المدعي، الأمر الذى يتضح معه جليا ان تحصيل جهة الإدارة لمبلغ خمسمائة الف جنيه من المدعى ثمنا بخسا لاهدارها لمبدأ المشروعية وإكراها ماديا ومعنويا للمدعى فى اسوأ صوره لتحصيل ايرادات غير مشروعة تثرى بها الخزانة العامة على حساب حقوق المواطنين ومنهم المدعى الحاصل على ترخيص بالبناء مطابق للقانون مما يؤدى الى سقوط الجهة الادارية فى الدرك الأسفل من قاع هاوية الجباية غير المشروعة ومساومة المواطنين على حقوقهم وإهدار تلك الحقوق فى حالة عدم سداد الاتاوة لها وهذا مسلك مشين ومخز وفاضح ما كان يجب لجهة الإدارة السقوط فيه ولا يستقيم مع دولة القانون ويصلح فقط لدولة تسود فيها شريعة الغاب مما يضحى معه سلوك الجهة الادارية بإجبارها للمدعين بسداد مبالغ قسرا عنهم افتئاتا صارخا على حقوق المواطنين.