أكتب هذه السطور بعد انتهاء عملية انتخاب أول رئيس في تاريخ مصر القديم والحديث, فقد حكم مصر أباطرة وملوك ورؤساء دون انتخاب حقيقي من الشعب, إذ كانت تتولي حكم مصر أسر يتوارث أربابها الحكم, سواء كان ذكورا أو أناثا. وكان آخر هذا النظام أسرة محمد علي, التي انتهي حكم آخر ملوكها في مصر بفاروق الأول بانقلاب عسكري عزل به الملك فاروق, ليحكم مصر قادة عسكريون كان آخرهم الفريق محمد حسني مبارك بثورة غير مسلحة قادها شباب مصر بهدف العيش الكريم, والعدالة, والحرية دون تخطيط لمن يحكم مصر, ولما كان الثائرون في غالبيتهم لم يسعوا إلي الحكم, وكان الجيش هو الوحيد القادر علي قيادة البلاد, والحفاظ علي أمنها قدر المستطاع, لضمان الاستقرار, وتسيير الأوضاع والحياة اليومية في حدود قدراته العددية الموزعة بين الداخل والخارج أملا في الوصول بالبلاد إلي شاطئ الأمان قدر الإمكان, وحتي يتسلم الحكم من يختاره الشعب. مهما قيل عن هذه الفترة التي تبلغ عاما ونصف العام من ترتيب للأوراق وبناء أنظمة الحكم من جديد فقد سقط البناء الكبير, فلا رئيس ولا برلمان ولا دستور إلا بعض المواد التي استفتي الشعب عليها ولم تتجاوز عشر مواد, ثم أضيفت إليها خمسة أضعافها من مواد مأخوذة من الدستور الذي تقرر إسقاطه, وحكم البلاد المجلس العسكري بقيادة قائد الجيش, الذي حاول أن يجمع بين الحكم العسكري والمشاركة المدنية في شكل المجلس الاستشاري, وحكومة لا تملك إلا تسيير الأعمال, ولفترات قصيرة, وتطلع الشعب إلي يوم اختيار رئيسه مع كل ما يحيط بشخص المنتخب من ضبابية, ونقل المسئولية, وانتظارات كثيرة تنوء بحملها الجبال الراسية. لقد دخل الشعب المصري هذا السياق الذي لم يمارسه من قبل ولا نتوقع الكمال المطلق, فهو لله وحده, ولكن سيفخر الشعب بأن رئيسه قد اختيرمن شعبه, والشعب وحده صاحب السلطة, إذ يملك أن يمنحه مدة ثانية, أو يودعه بهدوء بعد أربعة أعوام, كما يحدث في الدول التي سبقتنا في أسلوب اختيار رؤسائها, وإنني لا أتوقع أن يفوز أي من المرشحين من الجولة الأولي لكثرة أعدادهم, وتعدد المواصفات, ففي كل مرشح ميزات مشتركة, وميزات فردية, كما أن للناخبين تباينا في المواصفات التي يرونها في مرشحهم, بالإضافة إلي الانتماء الحزبي أو العقائدي ولا نقول الديني, فجميعهم ينتمون إلي ديانة واحدة, فلهذا نتوقع جولة أخري بين اثنين من المتبارين, وعندئذ سوف تحسم النتائج. علي أي الحالات, سواء حسمت النتيجة من الجولة الأولي, مع صعوبة ذلك, أو في الجولة الثانية, فإن الديمقراطية, والروح الرياضية, والأخلاق المستمدة من ممارستنا الروحية تفرض علينا احترام إرادتنا, وقبول نتيجة ما أبدته الأغلبية منا, مع رجاء أن يلتزم الجميع بإرادة الأغلبية دون إثارة أو انفعال, لتكون هذه التجربة الأولي في حياتنا عرسا ديمقراطيا أخلاقيا يقتدي بها الأبناء والأحفاد في أجيالنا, ويسجلها التاريخ الذي يفخر به العالم, وسيكون الفائز الحقيقي ليس الشخص الحائز علي أكبر عدد من أصواتنا, بل الفوز هو لمصر وشعبها الذي صنع هذا التاريخ. المزيد من مقالات د. القس صفوت البياضى