لم تكن المكرونة بالباشميل الخيار الأمثل لوجبة ما بعد منتصف الليل. أحشائي المثقلة جعلت نومي متقطعا. طيف وجهك يخيم علي أرقي. استرجع تعليقك العابر الموجع. ربما بدا للحاضرين في العشاء الودي نكتة طريفة. لي بدا رسالة بلا أسباب ولا مقدمات: "ابتعدي...لا مستقبل لنا معا". هل أحمل الأمور أكثر مما تحتمل؟! ربما. هو ثقل طعام ليس لمرضي القولون العصبي تناوله بعد منتصف الليل...! جرس متقطع ينذرني أن الساعة دقت السابعة والنصف. أتجاهله. يتكرر. أنفض نصف نومي وأضغاث أحلامي وضجري وبطانية شتوية أحتمي بها من لسعات برد ليس موعدها الربيع. خطاي المثقلة تأخذني إلي فنجان قهوة غير متقنة الصنع تفشل في إعادة التوازن إلي رأسي. نشرة الأخبار تزيد من الصداع وآلام القولون. تباشير اليوم القادم تحملها أخبار أمس بات غارقا في الدماء عقب جمعة المحاكمة والتطهير التي باتت جمعة البطش بضباط 8 أبريل. أهرع بين جنبات المنزل أصارع عقارب الساعات وهي تزحف نحو التاسعة. أمي لا تحتمل أن أترك شيئا في غير مكانه. تعريف "أماكن الأشياء" أمر لا نتفق عليه أبدا. أحاول جاهدة أن أضبط أشيائي في أماكنها بحسب تعريف أمي لأماكن الأشياء. أفشل دائما. أتساءل متي سيكون لي مكان أعرف فيه أماكن أشيائي كيفما أري!؟ لا أنسي أني أريد مطبخي أيضا, يمكنني حينها استرجاع تفاصيل مطبخ جدتي التي....!! اللعنة! تدهمني حقيقة ان الساعة تجاوزت التاسعة والربع. أهرع الي خارج المنزل. غلبتني عقارب الساعات فتأخرت دقائق عن موعد سائق عادة ما ينتظرني. اليوم لم أجده. يفاجئني الأمر وتتقافز في ذهني خواطر بشأن الانتظار وسرقات عقارب الساعات للعمر الذي لا يمضي بنا دائما إلي حيث نبتغي. أخاف. أسترجع هواجسي القديمة بشأن فروق التوقيت بين البشر. وأسترجع تعليقك العابر الذي أوجعني رغم كونه نكتة بدت للحضور طريفة. زانا اصلا مش بتاع جوازس. يصفعني هاجس تجارب انتظار قديمة بحكمة قاسية طالما استشهدت بها حين أمارس دور المرشد الروحي في نصح الصديقات: "الحرية ألا تنتظر شيئا". أنا حرة! اذن أنا لا أنتظرك! أنا اصلا لم أكن أنتظر احدا حين اقتحم وجودك حياتي. أشاور الي تاكسي الصباح وأنا أتمني بشدة راديو يفاجئني موسيقيا. سائق اليوم يفضل برامج دينية رتيبة. أحتاج موسيقاي المفضلة بشدة. ثقل معدتي وثقل روحي يحملاني إلي كل الهموم الأخري. أسابيع قليلة متبقية قبل أن اهجر هذه الوظيفة, ولكنني لم أعد أحتمل ساعات العمل اليومية. والأوراق؟ تلال أوراق لا تخصني احتلت مكتبي والتهمت أيامي عبثا! وأوراقي أنا الحبيبة المبعثرة متي ألملمها؟ وهل من مكان يجمعها؟ اصل الي مقر عملي في الشركة العالمية الكبري. أضغط أزرار آلة النقود فتزورني الهواجس عن شبكة الأمان المادية التي حسمت أمري وقررت أن أخوض مغامرة الحياة بدونها في رهاني كي أستعيد ملكية العمر. مازلت أخاف المجهول الآتي..لكن لا بديل من القفز في الهواء في رحلة إلي المحال: الي أمان بدون شبكة أمان. وتدور ساقية اليوم. طيف وجهك يخيم علي دوراني في الساقية-وتعليقك العابر الموجع. تتخلل دوراني أحلام يقظة. أصحو علي دبيب كل هذه التفاصيل. فأعود أحملها معي مجددا الي فراش أرق يقيم فيه طيف وجهك.