أدب ونقد مجلة ثقافية شهرية، يصدرها حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوي. وهو الحزب السياسى الوحيد فى مصر الذى يصدر مجلة ثقافية شهرية. على مدى 32 سنة. تباع بأسعار رخيصة فى متناول القارئ العادي. صدر منها 350 عدداً. وهو إنجاز ثقافى مهم. وتولى رئاسة تحريرها الدكتور الطاهر أحمد مكي، فريدة النقاش، والشاعر الراحل حلمى سالم. ويرأس تحريرها الآن عيد عبد الحليم. أعرف أن المجلة مرت بظروف مالية عسيرة مؤخراً. وقد علمت أن الهيئة المصرية العامة للكتاب قررت دعمها فى الطباعة. على أن تحصل على ما يقابل الدعم نسخاً من المجلة تعرضها للبيع فى فروعها. هذا ما عرفته من الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس مجلس إدارة الهيئة. وهو جهد مشكور. وإن كنت أتصور أن صندوق التنمية الثقافية كان عليه القيام بهذا الدور. لأن ميزانيته مخصصة لدعم الأنشطة الثقافية سواء فى الوزارة أو خارج الوزارة. وربما كانت الأولوية لما يتم خارج الوزارة. العدد الأخير من أدب ونقد قدم ملفاً كبيراً عن على مبروك ومقالاً عن جورج طرابيشي. وإن كان ينقص الملف والمقال محاولة تقديم ببلوجرافيا لكل منهما. فعندما يرحل الإنسان عن الدنيا ويقول كلمته الأخيرة. يكون القوس اكتمل وحكاية العمر وصلت لنهايتها. ولذلك فإن الببلوجرافيا تعد محاولة لمقاومة النسيان ولتثبيت معلومات كل منهما للأجيال القادمة. على مبروك كان رفيقاً لنصر حامد أبو زيد فى أيامه الأخيرة. وكان يعتبره أستاذه. فضلاً عن أنه شارك فى مجلس تحرير مجلة أدب ونقد لأكثر من خمسة عشر عاماً. مشاركاً بأبحاثه ودراساته التى أثارت جدلاً كبيراً. فى الملف الخاص بعلى مبروك تنشر المجلة الحوار الأخير معه. دون أن تثبت متى تم هذا الحوار؟ وهل سبق نشره فى المجلة؟ أم أن هذا هو النشر الأول له؟ وفى هذا الحوار يرى على مبروك أن مشروع التنوير وصل إلينا ملتبساً لعدم وجود نخبة قوية نادرة على نقل المجتمع من خطاب التقليد إلى خطاب التجديد. نحن أمام زخم ثوري، لكنه يفتقد إلى العقل الذى بإمكانه أن يسير إلى الاتجاه الصحيح. ويرى أن من أسباب تعثر مشروع التنوير أن العقل العربى يعمل بطريقة إجرائية شكلية. لكنه لا يتعمق فى الأمور. فإذا تعامل مع الأمور تعامل معها بطريقة أيديولوجية. ويغيب المضمون المعرفي. والأزمة الراهنة تكمن فى هذا السبب. فهذا العقل يلح على إعادة فكرة النموذج القديم. ولا توجد حالة من الابتكار سواء كنا نفكر بأسلوب إسلاموى أو حداثوى بشكل عام. وأظن أن هذا الأمر مسئول عن هذا التراجع الفكرى لمشروع التنوير. يكتب فى الملف الدكتور حمدى الشريف: جدل المقدس والإنسانى فى الفلسفة الإسلامية. ثم يخصص الديوان الصغير وهو باب ثابت فى المجلة لنشر مختارات فكرية من على مبروك. عناوينها: سؤال الهوية فى الدرس الحديث للفلسفة الإسلامية. الغرب والمسألة الدينية فى الشرق. ثم كيف حضرت الشريعة عند مفكرى النهضة الأوائل؟. الإسلام السياسى والخروج على أصول التقليد. من تديين السياسة إلى تسييس الدين. تحولات الميدان والمآلات القلقة للثورة المصرية. العلمانية بنكهة أصولية. ثم يكتب طلعت رضوان: هل يمكن أن يتحقق التنوير؟ والدكتور أشرف صالح محمد: سلطة الخطاب فرس الرهان فى ظاهرة الجماهير. أما جورج طرابيشي، المفكر العربي. أعد الملف عنه عيسى جابلي. تحت عنوان: تأصيل العلمانية ونقد التراث. والمنشور عنه فى العدد حوار معه. ولمن لا يعرف. فإن جورج طرابيشي، مفكر ومترجم سورى مولود بمدينة حلب سنة 1939، حصل على الليسانس فى اللغة العربية، ثم على درجة الماجستير فى التربية من جامعة دمشق. عمل مديراً لإذاعة دمشق 63/64، ورئيساً لمجلة دراسات عربية 72/1984، ورئيس تحرير مجلة الوحدة بين 84/1989. لجورج طرابيشى كتاب عن نجيب محفوظ صدر مبكراً قبل حصول نجيب محفوظ على نوبل. عنوانه: الله فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية. قابلته مرة واحدة فى أحد المؤتمرات بالقاهرة. وقد دهشت فى هذا اللقاء العابر الذى صنعته الصدفة من ثقافته الأدبية. ومن حرصه على قراءة النص الأدبي. واعتباره أن النص الأدبى يمكن أن يقوده لاكتشافات مهمة لا يوفرها سوى الأدب والفن. مشكلة ما أقدمت عليه مجلة أدب ونقد جزء من مشكلتنا جميعاً. أننا لا نهتم بمن يعيشون بيننا ماداموا أنهم يواصلون الحياة. نتنبه لهم ونكتب عنهم ونفرد لهم الصفحات بمجرد أن يتركوا الدنيا. وهو أمر قد يكون محموداً يؤكد أننا لم ننسهم. لكن الأفضل أن نتذكرهم فى حياتهم ونكتب عنهم وهم بيننا. وأن نشعرهم بأن مشروعاتهم التى قضوا العمر من أجلها وصلت إلينا وأثرت فينا. وأننا نقول لهم وهم على قيد الحياة: شكراً. لكنها عادة مصرية. فمعظم ما تركه لنا الأجداد محاولة لمقاومة النسيان وتذكيرنا بمن كانوا هنا قبل مئات السنين. وربما آلافها. هل أطمع أن نغير هذا الإيقاع وأن نحتفى بالناس فى الوقت الذى يمكن أن يكون لهذا الاحتفاء دور فى حياتهم؟!. لمزيد من مقالات يوسف القعيد