جاءت حادثة مقتل محمد باهر صبحى الأسبوع الماضى فى ايطاليا، لتزيد من أوجاع المصريين، وتذكرهم بسلسلة من حوادث القتل التى تمت بحق المصريين فى الخارج على مدى العقد الأخير والتى لم يعرف معظم مرتكبيها حتى الان، لتنتهى أوراق تحقيقات تلك الحوادث بجملة «مازال الفاعل مجهولا»، بسبب ازدواجية المعايير فى تعامل الغرب مع ضحايانا وفى استجابته للجهود الكبيرة التى تبذلها الخارجية المصرية لاستعادة حقوق أبنائنا، ففى الفترة الأخيرة تعددت حوادث مقتل المصريين بالخارج، سواء كانت بالدول العربية أو الأجنبية، وفي أقل من عام وقع عدد من الحوادث البشعة التي أودت بحياة شباب مصريين، سافروا للبحث عن لقمة العيش، الغريب فى الموضوع أن المصريين لم يهتموا بهذه القضايا كما اهتموا بقضية مقتل الشاب الايطالى ريجينى رغم اسفنا الشديد لوفاته، والتى افرد اعلامنا المحلى مساحات كبيرة لقضيته دون أن يهتم بنفس القدر مع حالات مقتل المصريين فى الخارج رغم تشابه الكثير منها مع قضية «ريجينى»، كما لم نسمع من النشطاء أو المدافعين عن حقوق الانسان من يتحدث عن حقوق هؤلاء الضحايا المصريين الذين شاء قدرهم أن يموتوا بحثا عن الرزق. ريجينى المصرى البداية هنا من إيطاليا.. لم يكن يعرف أن حياته ستنهى بهذه القسوة، ترك قريته، وهاجر إلى إيطاليا بحثا عن الرزق، بعدما ضاقت الحياة أمامه فى بلده، ورغم أن دخله اليومى فى إيطاليا لم يكن يتجاوز15 يورو، إلا أنه كان سعيدا راضيا بما قسمه الله له .. إنه محمد باهر صبحى 34 سنة الذى ترك قريته «الكوم الاخضر » بمحافظة المنوفية وسافر إلى ايطاليا قبل 10 سنوات فى رحلة هجرة غير شرعية وعمل هناك فى حصاد العنب والزيتون بإحدى المزارع فى مدينة نابولى الإيطالية، وعاش محمد يجمع المال انتظارا لليوم الذى سيعود به إلى قريته ويحقق حلمه فى الزواج، وتأسيس منزل يعيش فيه حياة مستقرة، لكن القدر كان له رأى أخر، محمد خرج من مسكنه كعادته اليومية لتناول القهوة فى الخارج، لكنه تأخر فى العودة،فاتصل به أصدقاؤه، فقال لهم أنه سوف يعود بعد قليل، لكنه لم يعد، ليفاجأ أصحابه باتصال الشرطة الإيطالية تخبرهم بوفاته، وتخبرهم بأنهم وجدوا جثته ملقاه بين رصيفى القطار فى الطريق الواصل بين محطتى نابولى وكازانوفا.. النتائج الأولية تشير إلى أن الوفاة كانت نتيجة ارتطام الجانب الأيمن الجسم من الرأس إلى الوسط بجسم صلب، مما أدى الى تهشم الرأس. أسرة محمد أكدت أن ابنها ليس أقل من «ريجيني» الشاب الإيطالى الذى أثار العثور على جثته فى مصر أزمة بين مصر وايطاليا، وأن قضية محمد باهر يجب أن تعامل مثل قضية ريجينى وأنه له نفس الحقوق والواجبات. .. وكريم أسعد فى مدينة الضباب حالة مصرية أخرى شهدتها مدينة الضباب لندن.. وهي حالة أكرم أسعد طبيب التخدير«31» عاما، الذي قرر عام 2008 السفر لإنجلترا ليس بحثا عن المال بل سعيا لاستكمال مسيرته العلمية للحصول علي درجة الدكتوراه في التخدير، وعمل في مستشفي «برنس أوف ويلز»، ولكنه لم يحصل شهادة الدكتوراه بل علي شهادة وفاته. فقد عثر عليه مقتولا عام 2011.. شريف قبل مقتله بستة أشهر كان دائم الشكوى من تعرضه لمضايقات من قبل زملائه في العمل، خاصة مع انتهائه من البحث العلمي الخاص برسالته العلمية، والذي كان يتناول مادة بديلة أعلي كفاءة وأسرع فعالية وأرخص سعرا من عقار المورفين، الذي يستخدم فى جميع مستشفيات العالم، وهنا ظهرت مافيا شركات الأدوية الكبري، لأن ظهور علاج جديد أرخص سعرا سيؤدي لخسارتها الكثير من الأرباح، فتم اغتيال الطبيب الشاب، لكن الشئ الغريب فى هذا الموضوع إهمال الحكومة البريطانية وعدم اهتمامها بالتحقيق في الحادث، بالإضافة إلى تأخرها فى تسليم جثمان الشاب المصرى، واحتفاظها بجثته لأكثر من 35 يوما، لتأتى نتائج التقرير الطب الشرعى أن الوفاة نتيجة انتحار كريم فى محاولة لطمس معالم الجريمة. شريف ميخائيل القاتل مازال مجهولا ولم يكن حال شريف حبيب ميخائيل .«22 عاما« أفضل حظا من مواطنه كريم أسعد، فبالرغم من ميلاد شريف في بريطانيا، حيث هاجر والده إلى لندن بحثا عن الرزق منذ نحو 35 عام، حتي نجح في امتلاك أحد المطاعم الشهيرة بها وتزوج من سيدة مصريه انجب منها شريف وشقيقته رانيا 18 عاما..ورغم الهجرة والسنوات الطويلة التي قضتها الاسرة في الخارج إلا انهم لم يقطعو صلة الرحم بأقاربهم المقيمين بمحافظة بورسعيد، وكانت دائما ما تأتي العائلة لزيارة مصر.لتستيقظ أسرة شريف على فاجعة وفاته حرقا بجراج سيارات بالعاصمة البريطانية.. شريف كان كان لديه طموح بلا حدود ويريد أن يحجز مكانا مرموقا له إلي جانب المشاهير والعلماء ذوات الأصول المصرية، لكن حلمه اصطدم بأعداء استكثروا عليه حقه في الحياة. خاصة أنه كان ينوى الالتحاق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، وكان من المفترض أنه سيذهب في اليوم الذي توفي فيه لتقديم أوراقه. فبالرغم من دراسته الهندسة بجامعة جرينتش، وتخرجه منها بتفوق إلا أن حلمه الأكبر كان أن يصبح ضابطا عسكريا، ولكن لم يمنحه القدر الوقت الكافي لتحقيق حلمه لتكون نهايته الموت حرقا، وبالطبع لازالت الشرطة البريطانية تجرى التحقيقات في القضية ولكن الأهم «مازال القاتل مجهولا». عبد الرحمن السيد الفصل الأخير في فنزويلا بعدما حضر حفل خطوبة شقيقته، خرج تاركا زوجته وأبنته التى لم تتجاوز عامها الأول، ليتجه الشاب المصري عبد الرحمن السيد31 عاما، للعاصمة الفنزويلية كاراكاس، حيث كان يعمل لدى إحدى شركات الخدمات البترولية الدولية، في ولاية «سوكري» بفنزويلا، التى شهدت كتابة الفصل الأخير من حياته. ففي مارس الماضي، لقي عبد الرحمن مصرعة، فور خروجه من بوابة مطار سيمون بوليفار تعرض لعملية سطو مسلح من قبل اثنين من اللصوص، اللذين حاولا أخذ حقيبته وأمواله بالقوة، وعندما حاول المقاومة أطلق عليه أحدهما رصاصتين، ليسقط جثة هامدة، بعدما لاذا بالفرار علي دراجة نارية. ورغم أن السلطات الفنزويلية أكدت أن أحد موظفي الجمارك كان متورطا في قتل عبدالرحمن وكان علي علاقة بهذين اللصين وأبلغهما بخروج عبدالرحمن من المطار، إلا أن السلطات الفنزويلية لم تهتم بالموضوع ليضيع حق عبدالرحمن حتى الآن. محمد عادل رشدي فى بلد المتاجرة بحقوق الأنسان لن يكون الأخير في حوادث قتل المصريين في الخارج، لكن هذه المرة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. تلك الدولة التى دوما ما تتشدق بالإنسانية والحفاظ علي الحريات والحقوق، شهدت الشهر الماضي واقعة بشعة كان ضحيتها مصري يدعي محمد عادل رشدي 62 عاما، والذي هاجر إلي ولاية انديانا الأمريكية منذ نحو 15 عاما، وكان يمتلك مكتب محاسبة وإستشارات قانونية،، بعد كل هذه السنوات من الغربة عثر حارس أمن بمكتب عقارات علي جثته الشهر الماضي بالقرب من أحد صناديق القمامة، وعلى جثته آثار تعذيب وضرب مبرح، أدت إلي وفاته. وقد عثر علي الجثة بعد عدة أيام من إبلاغ أحد أصدقاء المجني عليه بتغيبه، خاصة بعدما ذهب له في مكتبه ليجد المكتب خاويا والخزانة مفتوحة وخاوية، مما جعل الشك يدب في قلبه ويبلغ عن أختفاء صديقه. وطبقا للمعلومات والتقارير الأولية التى أصدرتها الشرطة الأمريكية، أن الهدف الأول من الجريمة هو السرقة، وأن عدة أشخاص اقتحموا مكتبه واصطحبوه للخارج وسرقوا محتويات الخزينة، وأن الدلائل الأولية تشير إلى تورط عدد من العاملين بالمكتب بالجريمة، ولكن الغريب أيضا في الموضوع أن الشرطة الامريكية احتفظت بكاميرات المراقبة الموجودة داخل المكتب، مما يثير الشكوك فى رغبتها في طمس ملابسات الجريمة. الوضع لم يكن أفضل عربيا أيضا هذه ثلاث حكايات ل 3 شباب مصريين سافروا إلي الدول العربية بحثا عن الرزق الحلال وأملا في مستقبل أفضل لكن الغربة والقدر كتبا الفصول الأخيرة في حياتهم . عاد محمولا فى كفنه بدلا من أن يعود حاملا المال الحكاية الأولى حكاية شاب من مدينة ديروط فى محافظة أسيوط كانت احلامه بسيطة، فبعدما أنهى تعليمه بكلية الخدمة الاجتماعية قرر أن يخوض التجربة ويسافر إلى الكويت بحثا عن فرصة يؤمن بها مستقبله، وقفت عقبة المال أمامه فقرر أقاربه أن يساعدوه فاقرضوه المال الذى يستطيع من خلاله تحقيق امنيته بالسفر إلى الكويت، إنه أحمد عاطف 25 سنة، عندما وطئت قدماه أرض الكويت شعر أنه يملك الدنيا، لكنه اصدم بواقع صعوبة الحصول على فرصة عمل وبعد فترة من البحث استطاع أن يجد عملا مناسبا فى أحد المحال التجارية الخاصة بالألعاب الالكترونية، وظل يعمل حتى يستطيع أن يوفر لنفسه المال الذى يعينه على الحياة. لكن القدر لم يعط أحمد الوقت ليحقق حلمه، فبينما كان يجلس فى محل عمله ودخل عليه شاب كويتى طالبا جهاز العاب، ولكنهما اختلفا على سعره فقام الشاب بسب أحمد، الذى رفض الإهانة وقام بالرد عليه، وبدأت بينهما مشاجرة، ليخرج الشاب ويعود بعدها بفترة قصيرة ومعه 4 من أصدقائه، قاموا بالاعتداء عليه، وتطور الأمر عندما قام أحدهم بدهس أحمد وآخر بسيارته، مما أودى بحياة أحمد ليعود إلى بلده محمولا فى كفنه بدلا من أن يعود حاملا المال الذى سيوفر له حياة أفضل. الموت دهسا الحكاية الثانية كانت حكاية شاب مثله مثل ملايين الشباب.. كانت البطالة والبحث عن لقمة العيش هما الدافع الرئيسى لاغتراب هؤلاء الشباب, أملا في البحث عن فرصة عمل، وأملا في وضع اجتماعي أفضل بغض النظر عن المخاطر التي قد يتعرضون لها والتي تصل إلى الموت أحيانا. ليكون هذا فصلا جديد من فصول المآسى التى يتعرض لها المصريون فى الخارج.. حيث أفاق المصريون بالسعودية فى صباح هذا اليوم على حادث أليم وقع لشاب مصرى أدى الى مفارقته الحياه.. هذه هى حكاية وليد السيد 36 سنة والذى يعمل مندوب مبيعات لإحدى شركات بيع إكسسوارات السيارات، حيث لقى مصرعه بعد خلاف بينه وبين 4 سعوديين حول أولوية المرور، فقام الشباب الأربعة بالنزول من سيارتهم وضرب وليد بالعصى الخشبية على رأسه حتى أصيب بإعياء شديد، ثم قاموا بدهسه بسيارتهم، ليفارق الحياة قبل تحقيق حلمه. القاضى والجلاد أما الحكاية الثالثة، فهى جريمة بشعة تحمل بين طيات سطورها مأساة تدمى القلوب.. وتشهد على رحيل الرحمة إلى مثواها الأخير ليحل الانتقام والغدر لازهاق الارواح.. وتنصيب المشانق وسن السيوف للانتقام، وينصب نفسه القاضى والجلاد والخصم والحكم، فعندما يتجرد الانسان من مشاعره ويسيطر الانتقام على جوارجه يصبح قادرا على فعل أى شئ مهما تكن بشاعته .. بكت القلوب قبل أن تبكى العيون، هذا ما حدث عام 2010 مع الشاب المصرى محمد سليم فى قرية «كترمايا» بلبنان، حيث كان ينوي الزواج بإحدى الفتيات وعندما قوبل بالرفض قتل 4 أفراد من أسرتها، وتم القبض عليه. وأثناء ترحيله داخل سيارة تابعة للامن اللبنانى تجمع المئات من سكان قرية «كترمايا»، والتى شهدت واقعة القتل، هاجموا الشاب المصرى محمد سليم، وأخرجوه من سيارة الأمن، وضربوه حتى الموت أمام عناصر الأمن، ولم يكتف بذلك بل قامت الحشود بسحب جثة الشاب على الأرض بعد ربطها بحبل، ثم قاموا بتعليقها على عمود كهربائي مقابل المسجد وسط ساحة البلدة ليراه جميع أهالي القرية، وبعد ما يقرب من ساعة قاموا بإنزال الجثة من على العمود، قبل أن تتمكن الشرطة العسكرية اللبنانية من تخليص جثة الشاب من يد الأهالي ووضعها في إحدى السيارات العسكرية. ............................................................................................... ورغم الجهود الكبيرة التى بذلتها وتبذلها الخارجية المصرية فى متابعة حوادث مقتل المصريين فى الخارج إلا أن استجابة الغرب لم تكن على القدر المطلوب بحقوق الضحايا المصريين عندهم وبنفس السرعة والاهتمام التى حدثت عقب الوفاه الغامضة للشاب الايطالى «ريجينى» فى مصر، ورغم أن الدول الغربية لا يملون الكلام والتجارة بشعارات المساواة وحقوق الانسان.