لايجب النظر إلى الخامس والعشرين من ابريل من كل عام على أنه اليوم الذى تحررت فيه سيناء من الاحتلال الاسرائيلى الذى ظل جاثما عليها منذ هزيمة يونيو عام 1967 فقط دون التعمق فيما سبقه من أحداث جسام حولت «بلا شك» هذه الهزيمة إلى نصر. ومع اعترافنا بأنه ما من هزيمة تمت عبر التاريخ إلا واعتبرت ترجمة مادية لتصور خاطئ، فليس هناك نصر إلا ووراءه معرفة شاملة بالخصم.. وليست هناك هزيمة إلا ومن أسبابها قصور معيب به. ونخطئ فى حق تاريخ جيشنا الباسل إذا وقفنا عند حدود حرب 1967 فقط دون التعرض لوقائع تاريخية خطيرة سبقتها، فالجيش دخل حرب فلسطين عام 1948 بأوامر من الملك لوزير الحربية دون علم رئيس الوزراء، وكان يعانى من نقص خطير فى أسلحته ومعداته وذخائره، واتضح أن قوات اسرائيل كانت أضعاف القوات العربية مجتمعة. وبحلول عام 1956 أممت مصر قناة السويس فتحالفت انجلترا وفرنسا ضدها واستخدما اسرائيل كرأس حربة للاستيلاء على سيناء وخلق حالة من التهديد المسلح على مشارف القناة وذلك لحين انتهاء القوات البريطانية والفرنسية من احتلالها من بورسعيد شمالا وحتى السويس جنوبا، ومن ثم يتم حصار الجيش فى سيناء بالقوات الاسرائيلية فى مواجهته والقوات الانجلوفرنسية من خلفه، بيد أن المشيئة الالهية تدخلت فى توقيت حاسم عندما صدرت الأوامر للجيش بالانسحاب بسرعة للضفة الغربية لقناة السويس فتم انقاذه من هزيمة مروعة، بعدها بنحو عشر سنوات وتحديدا يوم الاثنين الخامس من يونيو عام 1967 قامت اسرائيل بعد اغلاق مصر لخليج العقبة أمام الملاحة الاسرائيلية بالهجوم على مصر واحتلت سيناء بدعم قوى كبرى ومنظمات عالمية لجر مصر إلى معركة حاسمة فى ظروف غير مواتية. وواجهت مصر تلك اللحظات والدقائق التى تعتبر فى تاريخ الأمم نقطة تحول فى صنع أحداث هذا التاريخ، فكانت مرحلة الصمود من يونية و1967 إلى أغسطس عام 1986، أعقبها مرحلة الدفاع النشط من سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969، «فمرحلة الاستنزاف» من مارس 1969 إلى أغسطس 1970 والتى تعتبر بكل المقاييس حربا قائمة بذاتها والتى سجلت فى تاريخ العسكرية المصرية أنها كانت المقدمة الطبيعية لما تلاها من أحداث أدت فى النهاية إلى ماحدث يوم السادس من أكتوبر عام 1973. ولقد كان لكل مرحلة من تلك المراحل أهدافها وسماتها لعل من أبرزها معركة رأس العس الشهيرة فى أول يوليو 1967 أى بعد ثلاثة أسابيع بالضبط من وقف إطلاق النار يوم 8 يونيو 1967، والتى تلتها معركة اليومين اللذين أخافا المنتصر فى 14، 15 من نفس الشهر عندما توغلت قواتنا الجوية داخل سيناء لأول مرة بعد حرب 1967 والحقت خسائر موجعة بأفراد وأسلحة العدو الاسرائيلى، حتى اهتزت الدنيا لنبأ إغراق بحريتنا للمدمرة الاسرائيلية ايلات يوم 21 اكتوبر 1967 ليبدأ بعدها زئير المدفعية المصرية فيما سمى وقتذاك بمعركة المدافع والتى ظلت مشتعلة حتى اقتحمت قواتنا قناة السويس يوم 6 أكتوبر هادمة بذلك نظريات عتيدة ومستحدثة لقوانين ونظريات حربية جديدة عبر عنها الكاتب الانجليزى جافن يونج بقوله: «هناك اغراء فى أن يطلق المرء على حرب 1973 اسم الحرب المرآة، ذلك انك إذا أمسكت بمرآة لحرب الأيام الستة عام 1967 فإن الصورة المعكوسة ستكون فى نواح كثيرة نفس الصورة التى رآها المرء بعينيه فى مسرح حرب أكتوبر 1973. ولعلنا لانجد خيرا من هذه المناسبة الجليلة لاسترجاع حدثين خطيرين لهما دلالتهما التاريخية: الأول: أن معظم القادة العسكريين قد بينوا للقيادة السياسية فى مناسبات عدة بعد 1967 أنهم يفضلونها معركة ضارية يعقبها سلام، عن سلام عادل أو غير عادل بلا قتال، ومن ثم يمكن الزعم بأن 25 ابريل عام 1982 كانت نهاية المطاف لمحصلة صراع استراتيجى انتهى بحرب شاملة فى أكتوبر 1973. الثانى: أن شعب مصر المكافح والصامد يعلم يقينا أنه يخوض حربا مصيرية سيتوقف عليها حاضره ومستقبله لأمد بعيد ضد ارهاب أسود من الواضح أنه استنفد كل أوراقه ولم يتبق له سوى التأثير بالشائعات على روحه المعنوية التى تم رفعها بالتوسع فى «خطط التنمية» التى تعتبر المدخل الصحيح لتحقيق الأمن القومى والتى ستؤدى إلى الشعور بالامتنان للقيادة الحكيمة، وبالتالى الانتماء إلى الأمة جمعاء. وشهداؤنا الأبرار على امتداد تلك الملحمة النضالية المبهرة الذين أعادوا لنا كبرياءنا الوطنية أحياء عند ربهم يرزقون لمزيد من مقالات د.ابراهيم شكيب