من حق شباب الأمة علينا كما من حق الأجيال القادمة أن تعى بعض الأحداث المهمة فى تاريخها المعاصر، باعتبار أن للتاريخ وظيفة حضارية.. انقضى الزمان الذى كان ينظر فيه إليه على أنه تناول لأحداث مضت.. فالتاريخ يتحرك من المستقبل وليس من الماضى الذى هو فى حقيقته مستقبل فات. وتأسيساً على ذلك.. فلا يجب النظر إلى الخامس والعشرين من أبريل من كل عام، الذى تحل ذكراه الثامنة والعشرون هذا العام، على أنه اليوم الذى تحررت فيه كل سيناء من الاحتلال الإسرائيلى، الذى ظل جاثماً عليها منذ هزيمة يونيو عام 1967 فقط دون التعمق فيما سبق من أحداث جسام حولت بالإرادة هذه الهزيمة إلى نصر!.. ومع اعترافنا بأنه ما من هزيمة تمت عبر التاريخ إلا واعتبرت ترجمة مادية لقصور ما على المستوى الاستراتيجى القومى، فليس هناك نصر إلا ووراءه معرفة شاملة بالخصم، وليست هناك هزيمة إلا ومن أسبابها قصور معيب به، ومما لا شك فيه أن الكثيرين منا قد فاجأتهم النتيجة القاضية لحرب عام 1967، وفى موجة من اليأس القاتل وخيبة الأمل المريرة اعتقدوا أن العدو الذى واجهناه كان يملك قوة عسكرية لا قبل لنا بالتصدى لها والحقيقة- على مرارتها- هى أن عدونا كان على جانب من القوة ما كان لنا أن نستهين بها، إلا أن ذلك لا ينفى تماماً أن حرب يونيو عام 1967 قد اشتملت على قدر ما من البطولات الفردية التى لم يكشف النقاب عنها بالقدر الكافى حتى اليوم. وواجهت مصر تلك اللحظات والدقائق التى تعتبر فى تاريخ الأمم نقطة تحول فى صنع أحداث هذا التاريخ، فكانت معركة رأس العش الشهيرة فى أول يوليو عام 1967، التى تلتها معركة اليومين اللذين أخافا المنتصر يومى 14 و15 من الشهر نفسه، عندما توغلت قواتنا الجوية داخل سيناء لأول مرة بعد حرب 1967، حتى اهتزت الدنيا لنبأ إغراق بحريتنا للمدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر 1967، ليبدأ بعدها زئير المدفعية المصرية فيما سمى بمعركة المدافع ليأتى استشهاد فخر العسكرية المصرية الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى الخطوط الأمامية يوم 9 مارس عام 1969، ومن ثم يمكن القول إن حرب الاستنزاف كانت المقدمة الطبيعية لما تلاها من أحداث أدت إلى ما حدث يوم السادس من أكتوبر عام 1973، والذى عبر عنه الكاتب الإنجليزى الشهير جافن يونج فى مقال له بعنوان «الحرب المرآة» بقوله «هناك إغراء فى أن يطلق المرء على حرب أكتوبر اسم الحرب المرآة ذلك أنك إذا أمسكت بمرآة لحرب الأيام الستة عام 1967 فإن الصورة المعكوسة ستكون من نواح كثيرة نفس الصورة التى شاهدها المرء بعينيه على مسرح الحرب عام 1973». وشهداؤنا الأبرار على امتداد مراحل تلك المرحلة النضالية الذين أعادوا لنا كبرياءنا الوطنى.. هم أحياء عند ربهم يرزقون. لواء دكتور إبراهيم شكيب خبير استراتيجى ومحلل عسكرى