لو استمر الحماس الذى تم به التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ أمس الأول فى الأممالمتحدة بهدف خفض الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى وارتفاع حرارة جو الأرض وما ينتج عنه من جفاف وأعاصير مدمرة لحياة البشر فسوف يكون إنجازاً كبيراً للبشرية خاصةً الدول الإفريقية الأكثر تضرراً فى العالم من الظاهرة رغم أنها أقل الدول مساهمةً فى حدوثها. ففيما وُصف بأنه رقم قياسى للدول التى توقع على اتفاقية جديدة وقَّعت دول عديدة عليها، ومع ذلك فإن الدول الصناعية الكبرى التى تسهم بالقدر الأعظم فى المشكلة مثل الصين والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى ستأخذ بعض الوقت فى التصديق عليها،الأمر الذى قد يؤخر تنفيذها.فالصين والولايات المتحدة وحدهما تساهمان فى الانبعاثات الغازية المسببة للمشكلة بنسبة 38%،وأعلنت الصين أنها لن تصدق عليها قبل انعقاد قمة العشرين فى سبتمبر المقبل،وربما تحتاج دول الاتحاد الأوروبى الثمانى والعشرون المسئولة عن 10% من المشكلة إلى وقت طويل للتصديق لأن كلاً منها ستوقع على انفراد بعد أن تتفق على نسبة الخفض لكل منها.وهناك حقيقة مُحبطة أخري،فرغم أن الرئيس الأمريكى أوباما حريص على دخول الاتفاقية حيز التنفيذ قبل خروجه من البيت الأبيض فى أوائل العام المقبل إلاّ أن هناك بنداً فى الاتفاقية ينص على أن من حق الرئيس الأمريكى المقبل الانسحاب منها خلال أربع سنوات. لقد وصف بعض قادة الدول إبرام الاتفاقية الهادفة لمنع زيادة درجات حرارة الأرض بحلول عام 2050 أكثر من درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية بأنه إنجاز تاريخى وغير مسبوق وسوف ينقذ كوكبنا بوضعه على طريق التحول من اقتصاد الوقود الأحفورى الملوث للهواء والحد من ذوبان كتل الجليد والفيضانات المدمرة وموجات الجفاف المتكررة التى تشكل خطراً على الإنتاج الزراعى والثروات البحرية فى مناطق عديدة. فالاتفاقية تسمح بتحقيق النمو الاقتصادى وتُحد فى الوقت نفسه من انبعاث الغازات التى ترفع درجات الحرارة بتقليل استهلاك الوقود المستخرج من باطن الأرض وزيادة الاستثمار فى الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات،كما تُلزم الدول بالعمل على تقليص انبعاثات الغازات الكربونية وتخصص 100 مليار دولار سنوياً بمجرد دخولها حيز التنفيذ عام 2020 مساعدةً للدول النامية فى تمويل مشروعات تهدف لتحقيق هذا الغرض مع إمكانية زيادة المبلغ كل خمس سنوات بعد المراجعة. أما دول إفريقيا فستكون المستفيد الأول من الاتفاقية مع دول قليلة فى القارات الأخرى لأنها الأكثر تضرراً من تقلبات المناخ حالياً لاعتماد شعوبها على الزراعة التى تضررت كثيراً من الجفاف والتصحر والفيضانات والأعاصير.فرغم أن مساهمة إفريقيا فى إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحرارى لا تصل إلى 4% من إنتاج العالم إلاّ أن تقلبات المناخ تكلفها ما بين تسعة مليارات و17 مليار دولار سنوياً خسائر يمكن أن تزيد إلى ما بين 50 ملياراً و100 مليار دولار مستقبلاً إذا لم تتم مواجهتها فى الوقت المناسب.ومع أن القلق يتركز على دول إفريقيا جنوب الصحراء إلاّ أن خبراء لجنة الأممالمتحدة للمناخ يتوقعون أن دول شمال إفريقيا بما فيها مصر لن تكون بمنأى عن الضرر حيث سيقل هطول الأمطار. سبب القلق أن دول جنوب الصحراء تعتمد اقتصاداتها على الزراعة المعتمدة بدورها بنسبة تصل إلى 95% على هطول الأمطار وبالتالى فإن إجمالى ناتجها القومى معرض للانخفاض بما يتراوح بين 50% و60% نتيجة تقلبات المناخ وما تسببه من زيادة حادة فى موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير.فإفريقيا أشد القارات حرارةً ومن المتوقع أن ترتفع حرارتها بما يعادل المعدل العالمى مرةً ونصف المرة وفقاً للجنة المناخ وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو)أن تصبح تلك الدول أشد تضرراً مع بلدان نامية أخرى خلال الخمسين سنة المقبلة بتقلص مساحة الأراضى الزراعية والإنتاج الزراعى وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وتتوقع اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن يواجه المزارعون الأفارقة درجات حرارة أعلى وأمطاراً لا يمكن التنبؤ بهطولها مما يُصعِّب عليهم زراعة محاصيل مثل الذرة والقمح والأرز بينما يزيد سكان دول جنوب الصحراء إلى 1٫9 مليار نسمة بحلول عام 2050 ويرتفع عدد الذين يعانون نقص الغذاء فوق نسبتهم البالغة حالياً 25%.فثلثا السكان يعملون بالزراعة ويشكل الإنتاج الزراعى ثلث إجمالى الناتج القومى لدولهم.ويتوقع خبراء أن تشتد ندرة المياه ويقل الإنتاج الغذائى فى دول جنوب الصحراء وتتفجر صراعات على مصادر المياه،وتوقعوا أن تجف بحيرة تشاد سادس أكبر بحيرة طبيعية فى العالم تماماً خلال 20 عاماً. غير أنه ليس هناك ما يضمن تماماً تنفيذ الاتفاقية دون محاولات للالتفاف عليها من دول ترى فى بعض بنودها قيوداً على تنمية اقتصاداتها صناعياً، وإذا تحققت تلك المخاوف أو بعضها فليس أمام الدول الإفريقية سوى وضع خطط لتفادى ما تستطيع من الأضرار وأن تطالب الدول المتقدمة بما يتراوح بين 20 ملياراً و30 مليار دولار سنوياً لتمويل تنفيذها وفقاً لبنك التنمية الأفريقي. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى