إذا تم بجدية وإخلاص تنفيذ اتفاقية باريس للمُناخ التى تم إبرامها قبل أيام للحد من الغازات المسببة لارتفاع درجات حرارة جو الأرض ستصبح دول إفريقيا هى المستفيد الأول منها مع دول قليلة فى القارات الأخرى لأنها الأكثر تضرراً من تقلبات المناخ حالياً لاعتماد شعوبها على الزراعة التى تضررت كثيراً من الجفاف والتصحر والفيضانات والأعاصير. رغم أن مساهمة إفريقيا فى إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحرارى لا تصل إلى 4% من إنتاج العالم ولا تُقارن بمساهمة الصين أوالولايات المتحدة(15% لكل منهما) إلاّ أن تقلبات المناخ تكلفها ما بين تسعة مليارات و17 مليار دولار سنوياً خسائر يمكن أن تزيد إلى ما بين 50 ملياراً و100 مليار دولار مستقبلاً إذا لم تتم مواجهتها فى الوقت المناسب.ومع أن القلق يتركز على دول إفريقيا جنوب الصحراء الأربع والثلاثين إلاّ أن خبراء لجنة الأممالمتحدة للمناخ يتوقعون أن دول شمال إفريقيا بما فيها مصر لن تكون بمنأى عن الضرر حيث سيقل هطول الأمطار. سبب القلق أن دول جنوب الصحراء تعتمد اقتصاداتها على الزراعة المعتمدة بدورها بنسبة تصل إلى 95% على هطول الأمطار وبالتالى فإن إجمالى ناتجها القومى معرض للانخفاض بما يتراوح بين 50% و60% نتيجة تقلبات المناخ وما تسببه من زيادة حادة فى موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير التى تهدد ليس فقط اقتصادات الدول وإنما أيضاً صحة أبنائها.فإفريقيا أشد القارات حرارةً ومن المتوقع أن ترتفع حرارتها بما يعادل المعدل العالمى مرةً ونصف المرة وفقاً للجنة المناخ وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) أن تصبح تلك الدول أشد تضرراً مع بلدان نامية أخرى خلال الخمسين سنة المقبلة بتقلص مساحة الأراضى الزراعية والإنتاج الزراعى وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وتتوقع اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن يواجه المزارعون الأفارقة درجات حرارة أعلى وأمطاراً لا يمكن التنبؤ بهطولها مما يُصعِّب عليهم زراعة محاصيل مثل الذرة والقمح والأرز بينما يزيد سكان دول جنوب الصحراء إلى 1,9 مليار نسمة بحلول عام 2050 ويرتفع عدد الذين يعانون نقص الغذاء فوق نسبتهم البالغة حالياً 25%.فثلثا السكان يعملون بالزراعة ويشكل الإنتاج الزراعى ثلث إجمالى الناتج القومى لدولهم.وبعد 35 عاماً من الآن من المحتمل أن ينخفض إنتاج الذرة فى بلد مثل زيمبابوى وجنوب إفريقيا بنسبة 30%، وبعدها بخمسين عاماً يمكن أن تفقد دول مثل تشاد والنيجر وزامبيا قطاعها الزراعى بالكامل وفقاً لتقدير عالم مناخ بارز اعتمد فى تحليله على بيانات اللجنة. ت ويتوقع خبراء أن تشتد ندرة المياه ويقل الإنتاج الغذائى فى دول جنوب الصحراء ويحدث عجز حاد فى إنتاج الكهرباء اللازمة للتنمية وتتفجر صراعات على مصادر المياه، وتوقعوا أن تجف بحيرة تشاد سادس أكبر بحيرة طبيعية فى العالم تماماً خلال 20 عاماً بعد أن تقلصت مساحتها خلال الخمسين سنة الأخيرة. وأضاف آخرون أن ارتفاع الحرارة سيؤدى إلى انتشار البعوض المسبِّب لمرض الملاريا،القاتل الأول للأفارقة، فى مناطق جديدة مرتفعة فوق 2000 متر لم يكن يصلها من قبل. وتقول منظمة اليونسيف إن 500 طفل إفريقى دون سن الخامسة يموتون يومياً لعدم كفاية المياه الصالحة للشرب ولندرة مرافق الصرف الصحى النظيفة لدى نحو 700 مليون فى دول جنوب الصحراء حالياً، فما بالك بالوضع عندما تتفاقم ندرة المياه أكثر. بعض قادة الدول وصفوا اتفاقية باريس الرامية لمنع زيادة درجات حرارة الأرض بحلول عام 2050 أكثر من درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية بأنه تاريخى وغير مسبوق، وسوف ينقذ كوكبنا بوضعه على طريق التحول من اقتصاد الوقود الأحفورى الملوث للهواء والحد من ذوبان كتل الجليد والفيضانات المدمرة وموجات الجفاف المتكررة التى تشكل خطراً على الإنتاج الزراعى والثروات البحرية فى مناطق عديدة. فالاتفاقية تسمح بتحقيق النمو الاقتصادى وتُحد فى الوقت نفسه من انبعاث الغازات التى ترفع درجات الحرارة بتقليل استهلاك الوقود المستخرج من باطن الأرض وزيادة الاستثمار فى الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات، كما تُلزم الدول بالعمل على تقليص انبعاثات الغازات الكربونية وتخصص 100 مليار دولار سنوياً بمجرد دخولها حيز التنفيذ عام 2020 مساعدةً للدول النامية فى تمويل مشروعات تهدف لتحقيق هذا الغرض مع إمكانية زيادة المبلغ كل خمس سنوات بعد المراجعة. غير أنه ليس هناك ما يضمن تماماً تنفيذ الاتفاقية بأمانة ودون محاولات للالتفاف عليها من دول ترى بعض بنودها بمثابة قيود على تنمية اقتصاداتها صناعياً، ومن الممكن أن تحدث خلافات حول مَن الذى يتعين عليه دفع المبلغ المرصود لمساعدة الدول النامية التى تتضرر من الاحتباس الحرارى حيث ترفض الدول المتقدمة أن تتحمله وحدها وتطالب بمساهمة دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول المنتجة للبترول. فإذا تحققت مثل تلك المخاوف أو بعضها فليس أمام الدول الإفريقية سوى وضع خطط لتفادى ما تستطيع من الأضرار وأن تطالب الدول المتقدمة بما يتراوح بين 20 ملياراً و30 مليار دولار سنوياً لتمويل تنفيذها وفقاً لبنك التنمية الإفريقى. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى