زمان.. كان بائع »الغرابيل والمناخل« يدور في القرى على حمار ، مناديا على بضاعته بصوت منغوم: » الغرااااابييييل والمنااااااخِل«. كان يرص بضاعته على جانبي الحمار، وينتظر أن تناديه سيدة هنا، أو هناك، وإذا طلبت إحداهن شيئا يعرف كيف يستخرج ما طلبته بمهارة، ويعرف كيف يعيد تربيط أغراضه كلها بإحكام ليستكمل رحلته اللانهائية بين القرى. وحرفة الغرابيل والمناخل في طريقها للانقراض تماما، بعدما انصرف الناس عن استخدامها على نطاق واسع كما كان في السابق، فلم يكن يخلو بيت من غربال، ومنخل على الأقل، أيام كان الناس يخزنون القمح والدقيق في بيوتهم لزوم صناعة الخبز. والآن بعدما أصبح الناس يشترون الخبز جاهزا، ولا يخزنون الحبوب والدقيق في بيوتهم، باتت الغرابيل والمناخل من أدوات الماضي الذي يوشك بكامله على الاختفاء من الحياة، وربما لن يتذكره أحد. والغربال كان عبارة عن » إطار دائري (طارة) من الخشب المرن، عرضه عشرة سنتيمترات تقريبا، ومثبت بها شبكة واسعة الفتحات نسبيا، وتختلف الفتحات حسب نوع الحبوب، فالضيقة لغربلة القمح والأرز، والواسعة للفول والفاصولياء والذرة وغير ذلك. وكانت شبكة الغرابيل قديما تُصنع من أمعاء الحيوانات، ولاحقا أصبحت من السلك المعدني، ثم من خيوط البلاستيك« ويستخدم في غربلة القمح والذرة والعدس للتخلص من الشوائب العالقة بها، والكسور، وكانت الغربلة في الريف طقسا نسائيا جماعيا يزدهر في مواسم الحصاد. وبعضها من الأحجام الكبيرة كان يستخدم على نطاق أوسع لدى تجار الحبوب، وبأيدي عمال مهرة لتنقيتها من الشوائب. ولا تزال بعض الأسر في الأرياف تعتمد في تأمين خبزها على مخزون القمح والذرة، وبالضرورة تحتفظ بالغرابيل والمناخل. أما المنخل فيشبه الغربال في شكله، لكنه أصغر منه بكثير، أقل من نصف حجمه، وشبكته من قماش حريري ضيق المسام إلى حد كبير، تستخدم بنخل الدقيق، لضمان خلوه تماما من الشوائب، وهناك منخل مصنوع من السلك الرفيع مسامّْه أكبر من الحرير، ويستخدم لنخل الحبوب الصغيرة مثل السمسم والحلبة لتنقيتها من الشوائب. وكانت الغرابيل والمناخل بأنواعها تصنع من إطار خشبي مرن (التارة) قابل للالتفاف كدائرة ويثبت طرفاها معاً بمسامير صغيرة، ثم تُشد أطراف الشبكة إليه وتثبيتها بالمسامير على ( داير التارة)، وتقص الزيادات، ثم تغطى حواف الشبكة بشريط بلاستيكي لتكون ناعمة على أيدي من يستخدم الغربال أو المنخل. وكان إطار الغربال زمان يخرم بطول مداره، وتشد إليها أطراف الشبكة المصنوعة من أمعاء الحيوانات المجففة، وكانت تمتاز بالمرونة والقوة في آن. هذه الحرفة الآن يبتلعها النسيان تدريجيا، وفي طريقها إلى الانقراض، بعد انتشار الغرابيل والمناخل المعدنية والبلاستيكية المستوردة.