استقبلت القاهرة، هذا الأسبوع، الرئيس الفرنسى، فرانسوا أولاند، فى واحدة من أهم الزيارات التى جاءت إلى مصر منذ تولى الرئيس السيسى رئاسة البلاد. ونظراً لأهمية هذه الزيارة من المنظورالاقتصادى للبلدين،فقد رافق الرئيس الفرنسي، أيضا وفد كبير من ممثلى مجتمع الأعمال، والمتخصصين فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن قطاعات الطاقة، والطيران، والدفاع، والنقل، والبنية التحتية، والبيئة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.وعقد منتدى الأعمال المصري-الفرنسى بمشاركة ثمانية وسبعين مستثمراً فرنسياً، وأكثر من مائة مستثمر ورجل أعمال من الجانب المصري.نظراً لكون فرنسا أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر، حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين فى 2015، نحو 2.6 مليار يورو. ومن ناحية فرنسا، فإن مصر ثالث أهم وجهة للاستثمارات الفرنسية فى المنطقة، حيث يعمل فى مصر، حالياً، 140 شركة فرنسية، فى مختلف المجالات. تلك هى المقدمة الاقتصادية والاستثمارية للزيارة، والتى تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي. إلا أنه، وبعيداً عن الناحية الاقتصادية، وبالنظر إلى المجال العسكري، فإن مصر قد حققت أكبر صفقة عسكرية فى تاريخ البلاد، خارج نطاق المعونة الأمريكية، والتى تمثلت فى 24 طائرة رافال فرنسية، و2 من حاملات الطائرات، وعدد آخر من الصفقات. تلك الصفقة التى أبرمها الرئيس السيسي، إبان توليه وزارة الدفاع، لتحقق لمصر تأمين دوائر أمنها القومى المباشر، خاصة فى منطقة باب المندب، ومنطقة منابع نهر النيل. وعلى الطرف الآخر، فإن فرنسا حققت مكسباً كبيراً بعد هذه الصفقة لمصر، حيث بدأت باقى دول الخليج فى التعاقد مع فرنسا للحصول على الطائرة الرافال. كما أعلنت الهند، هذا الأسبوع، رغبتها فى شراء 32 طائرة رافال من فرنسا، رغم أن توجهات التسليح فى الهند، تعتمد على الأسلحة الروسية. وهذا ما يؤكد أن سمعة القوات المسلحة المصرية، قد ساعدت على تسويق هذه الطائرات، مثلما حدث من قبل مع طائرات الميراج 3 والميراج 5. وإلحاقاً بذات المجال العسكري، أعتقد أن هناك لقاءات سيتم فيها تبادل المعلومات العسكرية بين فرنسا ومصر. ويأتى أهمية ذلك الوجود الفرنسى المؤثر فى دول المغرب العربي؛ تونس والجزائر والمغرب وتشاد، علاوة، أيضاً، على المعلومات المتوافرة لهم من حلف شمال الأطلنطي، وهو أمر جدير بالاهتمام للقيادة العسكرية المصرية والفرنسية. وفيما يخص مجالات مكافحة الإرهاب، فقد كان أحد أهم الموضوعات، لكل من مصر وفرنسا على حد سواء، التى تناولتها الزيارة. فالأحداث الإرهابية، التى شهدتها فرنسا أخيرا، جعلتها تشعر بأهمية، وضرورة التصدى للإرهاب، والتعاون مع مصر فى مكافحته، وهو ما يتسنى من خلال تبادل المعلومات عن العناصر، والجماعات الإرهابية فى المنطقة، والعمل، معاً، على تجفيف منابع تمويلها، وبالتالى وقف الإمداد بالسلاح، مع استمرار مطاردة تلك العناصر فى المنطقة، وذلك فى إطار تعاون يومي، أو حتى لحظي، لضمان القضاء على تلك العناصر. ومعلوم أن مصر لن تحارب الإرهاب فى فرنسا، ولن تحاربه فرنسا فى مصر، إلا أن التعاون بين البلدين كفيل بالتصدى لتلك الجماعات الإرهابية، خاصة فى ظل وجود تعاون، وتشابك مصالح بين الجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط وأوروبا. ويأتى بعد ذلك الوضع فى ليبيا، وما يمثله الإرهاب فيها من خطر مباشر على الأمن القومى المصري، وهو ما تتفق فيه فرنسا، تماماً، مع مصر، حيث ترى في تمركز الإرهاب على شاطئ البحر المتوسط، تهديداً لأكبر حلفاء فرنسا فى المنطقة، وهما تونس والجزائر، كما يؤثر سلباً على تدفقات البترول والغاز اللييبى إلى أوروبا. كل ذلك يجعل فرنسا، إلى جانب إيطاليا واليونان، يتابعون الموقف فى ليبيا يوماً بيوم، وهو ما يتطلب المباحثات والتنسيق مع الإدارة المصرية. كما أن هناك بعداً آخر للزيارة، تبرز أهميته فى عضوية فرنسا فى الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي. ففى ظل ما واجهته مصر، أخيرا، من انتقادات من البرلمان الأوروبي، بعد مقتل الشاب الإيطالى فى القاهرة، أعتقد أن ذلك الموضوع قد استحوذ على جزء من المباحثات بين الرئيسين المصرى والفرنسي، لكى تتولى فرنسا توضيح الموقف المصرى أمام الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي. ولقد أعلنت فرنسا أنها إحدى الدول القليلة، التى لم تحظر على مواطنيها السفر إلى مصر، ولم تستدع رعاياها من مصر، عقب الأحداث الإرهابية الأخيرة، إلا أن الأعداد قد تأثرت سلباً بعدما كان السياح الفرنسيون من أكثر الأعداد الوافدة إلى مصر. إلا أننى أعتقد أن التدفق السياحى الفرنسى لمصر سيعود إلى سابق عهده، خاصة مع إعلان فرنسا استعدادها للمساهمة، مع عناصر الأمن المصرية، فى تأمين المطارات المصرية، سواء بالمعدات، أو الخبرات. وأخيراً، جاءت زيارة الرئيس الفرنسى للبرلمان المصري، لتؤكد اعتراف فرنسا بما حققته مصر من خطوات ثابتة على طريق الديمقراطية. ذلك البرلمان، الذى غاب عن المشهد السياسى المصرى لفترة طويلة،وقدتم انتخابه بشفافية ونزاهة، شهد لها العالم، وضم ممثلين عن جميع طوائف الشعب من الشباب والسيدات والأقباط. تلك كانت أبعاد زيارة الرئيس الفرنسي، إلى مصر، كما أراها من زاوية الأمن القومى المصرى ... وهى ما سينتج عنها، فى المستقبل القريب جداً، نتائج مباشرة، وملحوظة فى مجالات التسليح، والتدريب المشترك، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى السيطرة على الموقف فى ليبيا، وتنشيط السياحة الفرنسية إلى مصر. لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج