يُعد حدث الإسراء والمعراج من أهم الأحداث الفارقة فى تاريخ الدعوة الإسلامية؛ بل ورسالة الإسلام، وما أحوجنا للخروج من السرد القصصى إلى فلسفة القصص وبيان فلسفة الأحداث. هذا ما دفع الباحث الشيخ أحمد ربيع الأزهرى من علماء الأزهر الشريف للوقوف طويلا مع هذه الرحلة المباركة وفى بحث مطول له سطر عددا من النقاط، التى تسهم فى إصلاح واقعنا، منها: سنة الأخذ بالأسباب: فالإسراء والمعراج معجزة كبرى، ومع ذلك الله يعلمنا أن نأخذ بالأسباب فى خضم حدث معجز ، وقضية الأخذ بالأسباب تكمن فى اتخاذ الله للبراق سبباً لتنقل الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى رحلة الإسراء والمعراج؛ رغم أن الله قادر على أن يرفعه إليه فى لمح البصر وهو القادر، وفعلها سابقا عندما رفع عيسى- عليه السلام- كما أنه جعل عبداً من عبيده يأتى لسليمان بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين فى لمح البصر.. فالعبرة هى الأخذ بالأسباب، فعلى الرغم من أن وصف البراق بأن خطوته كمد بصره فإنها مهما اتسعت فلابد أن تبدأ فى نقطة وتنتهى عند نقطة أى أنها حُكمت بالمكانية. كما يلحظ معنى الأخذ بالأسباب أيضا من رحلة الإسراء والمعراج من ربط الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للبراق فى حلقة بالحائط المبارك ولم يتركه وإنما فعل كما قال للأعرابي: “ اعقلها وتوكل “. إذن القضية أن يلفتنا إلى الأخذ بالأسباب فإذا كان الله فى موضع الإعجاز ذكرنا بالسببية وأخذ بالأسباب، فكيف بنا مع هذا التردى الحضارى والفكرى لا نأخذ بالأسباب لنرقى ونعرج بالمجتمع إلى العلياء؟! فقه التمحيص: فحادث الإسراء وحادث المعراج يعلمنا فقه الغربلة وتمحيص الرجال لنميز الخبيث من الطيب، خاصة إذا كنا مقبلين على مراحل فارقة، وهذا ما حدث فبعد أن محص الله المسلمين برحلة الإسراء والمعراج حيث ثَبُت قوى الإيمان وتخاذل وتراجع ضعفاء الإيمان، جاء بعد ذلك الإذن بالهجرة حيث إنشاء الدولة والحضارة، ولا بد أن من يهاجر من مكة إلى المدينة هم أخلص الناس للرسالة ولرسول الإسلام، حتى يضحوا بكل غالٍ وثمين من أجله ومن أجل رسالته، وإن كانت الأمة فى إطار فقه التمحيص جاءت بحادث (تحويل القبلة) ليكون موقفا فارقا فى فرز الرجال وكشف مستور النفوس، حتى يثبت الصادقين لأنه بعد قليل سوف تدور رحى المعارك فى بدر وأحد والأحزاب..إلخ ، ولن يصمد إلا الصادقون الممحصون. الإصرار على الهداية وعدم اليأس والقنوط: وملمح ذلك أن الخروج إلى الطائف من أهم مقدمات حادث الإسراء والمعراج، وأن خروج الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من دائرة مكة إلى الطائف هو توسيع لدائرة البلاغ والذى مكمنه أمل فسيح لكنه مقرون بالعمل الصحيح ، لذك لم ييأس النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من صد أهل الطائف بعد صد أهل مكة؛ بل جعل رؤيته أعمق، فهو ليس هاديا للأشباح الحية للبشر فقط؛ بل للنطف فى ظهورهم فيقول: عسى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله. التخطيط السليم: فقضية التخطيط والذى يقتضى المرحلية تبرز من تقسيم الرحلة إلى رحلة أرضية وأخرى سماوية ، فإن البناء والترقى يحتاج إلى قواعد وأسس راسخة على الأرض قبل الصعود إلى أعلى، كذلك جاء الإسراء قبل المعراج لإبراز هذا المعنى. كما أن التخطيط يقتضى البناء التراكمى وأن لكل مرحلة من مراحل التنفيذ رجالا وفق قدرات معينة وكلما ترقينا فى الأهداف والخطط فإننا أحوج إلى الأمهر والأقدر، وكذلك كانت المرحلية فى الصعود فى السموات فلم يصعد الرسول إلى السماء الثانية قبل الأولى، ولم يرتق إلى السماء السابعة قبل السموات من الأولى وحتى السادسة، وعليه فالمرحلية مهمة حتى نصل إلى الأهداف الكبرى، كما أنه يلحظ أن لكل مرحلة رجالا وأن من يكون فى مرحلة قد لا يصلح لغيرها، من هنا وجدنا آدم فى السماء الأولى وعيسى ويحيى فى الثانية ويوسف فى الثالثة وإدريس فى الرابعة وهارون فى الخامسة وموسى فى السادسة وإبراهيم فى السابعة وهذا الترتيب له دلالات عظيمة تحتاج إلى أصحاب الفطنة والبصيرة. عدم الخوف على الإسلام فى بلدنا: فهناك أصوات ترتفع من البعض تخوف من الإسلام أو تتخوف على الإسلام فى بلدنا – مصر المحروسة- من بعض الأفكار الواردة من الخارج ويتبناها البعض، لكن الإسلام فى بلدنا كالنيل فكلاهما شريان حياة. - توحيد الصفوف خلف هدف واحد: إن الاصطفاف حول هدف واحد من أهم القيم الرفيعة التى تُتَعلم من رحلة الإسراء والمعراج .. يؤخذ هذا الملمح الفريد من اصطفاف الأنبياء جميعاً خلف رسولنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما صلى بهم إماماً ، فقد توحدوا خلف من كملت به رسالتهم: رسالة التوحيد الخالص لله، فهدفهم كمالُ الرسالة ، فاصطفوا خلف من كملت به الرسالة وتوحدت به أهدافهم. فقه استشراف المستقبل: من فقه استشراف المستقبل بل وصناعته أن نعمل ونجد ونبني، وهدفنا الأجيال القادمة لينعموا بكل قيم البناء الرفيعة التى تصنع الإنسان وتعمر الوجدان وهذا المعنى تعلمناه من قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن أهل الطائف والذى يعد إيذاؤهم له من أسباب التسرية برحلة الإسراء والمعراج: “عسى أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله الله “ فالرسول يهدف فى بنائه ليس فقط للأحياء أمامه وإنما للنطف فى أصلاب الرجال، وهذا الأمر فيه معنى الأمل، فهم وإن لم يهتدوا فلماذا لا نعمل على هداية من فى أصلابهم؟ .والشريعة المحمدية شريعة زرع حتى ولو كان جنى الثمار مستحيلا، ولكون الزرع يأتى بعد فناء وبعد تبدل الأشياء والأرض يقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : “ان قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فان استطاع ان لا يقوم حتى يغرسها فليفعل.