من أهم ملامح الربيع العربي هذه المشاركة الفعالة والإيجابية للمرأة. من كان يتصور أن المرأة العربية التي طالما وضعها المجتمع في خانة ضيقة ومحدودة وهامشية, تنهض وتقوم من سباتها العميق, وتنزل الشارع, وتهتف في الميدان, وترفع اللافتات, وتتحمل الضربات, وتزج في الحبس, وتصمد أمام كل هذه الضغوطات؟ من كان يتصور هذا المشهد؟ وبعيدا عن المؤسسات المعنية بقضايا المرأة. بعيدا عن أروقة القاعات الأنيقة المكيفة, وأوراق البحث واللقاءات الإعلامية والإعلانية البراقة المرتبة. كانت المرأة هناك.. في الشارع والميدان.. المسلمة والقبطية.. السافرة إلي جوار المحجبة والمنقبة.. الثرية والفقيرة.. ذات التعليم العالي وتلك التي لم تتلق أي درجات من العلم.. العاملة وربة البيت.. حدث ذلك بشكل تلقائي وعفوي.. وأثبت معه وهذا هو المهم هنا أن نضال المرأة ليس منفصلا عن نضال المجتمع. وأن قضيتها ومشكلاتها ومعاناتها هي جزء من مشكلات الوطن والمجتمع العربي ككل. الربيع العربي أنتج لنا إذن امرأة إيجابية.. لها صوت وحضور مثلها مثل الرجل.. صارت المرأة فاعلا وليس مفعولا به.. وأستحضر هنا كلمات الدكتورة ليلي غانم خبيرة الأنثروبولوجي في الدراسة التي قدمتها تحت عنوان دور المرأة في الثورات العربية وآفاق مشاركتها في صنع القرار خلال مؤتمر الثورة والثقافة الذي عقد أخيرا بالقاهرة أدي دور المرأة في الثورة إلي نقلها من قوة رقمية في المجتمع إلي مشاركة فاعلة في صنع القرار وفي قيادة عملية التغيير والإصلاح, مما أعطي للثورات زخما نوعيا إضافيا لفت أنظار العالم. بنزول المرأة مع الرجل الميدان تغيرت موازين القوي داخل الأسرة.. وانتقلت المرأة من موقع التابع و الملحق إلي دور الفاعل المؤثر. وهذا الانتقال الجذري جعل الرجل ينظر إليها بعين الاعتبار, ويشعر بأهمية دورها في النضال. قبل الربيع العربي كان نضال المرأة منعزلا عن باقي مكونات المجتمع. فهي تناضل فقط من أجل قضاياها الخاصة. وربما كانت الحركة النسوية أيضا تحرص علي بقائها ككتلة واحدة متماسكة, حرصا منها علي إبراز أحوالها, ومشكلاتها وهمومها التي تعانيها. ولذلك بقيت الحركات النسائية مغلقة علي نفسها, داخل القاعات و البنايات. بعيدة عن الشارع. ها هي المرأة العربية( العادية) تدحض تلك الأفكار التقليدية الجامدة وتقول للجميع بملء الفم: إن نضال الشعب لا يتجزأ. وتطالب الدراسة كذلك بمشاركة المرأة في صياغة التشريعات والدساتير, والمشاركة هنا علي حد تعبير د. ليلي غانم تشكل كل الشرائح النسائية التي أسهمت في الثورة, وليس فقط النخب النسائية. وكيف لا؟ والمرأة بكل أطيافها, وطبقاتها, وانتماءاتها شاركت في الثورة. مازال أمام المرأة مسار صعب وشاق من التحديات.. لكن المهم هنا أنها عرفت طريقها.