لا جدال أن الإقدام علي المنافسة من أجل موقع الرئيس في مصر الآن يعد شجاعة تحسب لصاحبها, علي ضوء ما نعرفه جميعا من التعقيدات والمشاكل التي يمر بها الوطن, فذلك يشبه التطوع للقيام بعملية فدائية قد تكون بلا عودة. ومهمة بهذا الوصف تتطلب قدرا كبيرا من التجرد والتخلي عن الأنانية والرغبة الجارفة للخدمة العامة كما تحتاج إلي إيمان بالقضية, وتصميم علي تحقيق الهدف. أثناء خدمتي بقوات الصاعقة, كانت الصفات السابقة شرطا لانضمام فدائي جديد لهذه القوات الخاصة, وقد أثبتت أهميتها أثناء عبورنا لقناة السويس, حيث تلاشت الأنا, وتراجع الخوف, وانتصرت الإرادة بتصميم وحسم. وبغير وصاية علي الناخب, فأنني أتصور أنه يجب أن يبحث عن تلك الصفات أو بعضها فيمن يفكر في منحه صوته, ولحسن الحظ فأن التاريخ الشخصي لأغلب إن لم يكن لكل المرشحين متاح للكافة, ويمكن بقراءة هذا التاريخ أن نعرف من بينهم كان أكثر إتساقا والتزاما بمبادئه, من الذي التزم بالنضال ضد الفساد والظلم وتحمل كل صنوف السجن والاعتقال دون أن يتراجع عن مواقفه قيد أنملة, من الذي انحاز قولا وفعلا لقضايا الكادحين والمعدمين, من الذي رفع رأسه في زمن الهامات المنكسة.. ولن أذيع سرا إذا ذكرت مثلا أن أحد المرشحين الحاليين قام بجهود فائقة من أجل تيسير مرور قافلة مريم لمساعدة أطفال العراق أثناء الحصار الوحشي الذي حرم هؤلاء الأطفال من الغذاء لمدة10 سنوات, وأذكر اتصالاته بالخارجية بإلحاح, فلم يكن يري أنه يليق بمصر أن تصمت علي تجويع شعب عربي شقيق بغض النظر عن موقفنا من صدام حسين. هذا المرشح كان يشارك في لقاءات دولية ويعكس شموخ مصر واعتزازها بدورها التاريخي, فهو يؤمن بأن مجال مصر الحيوي يمتد إلي وطنها العربي ويتجاوزه إلي إطاره الإسلامي الأوسع, ويمد جذوره في القارة الإفريقية التي نسكنها, ويرفض علاقات الوهن والتبعية التي تحول مصر العظيمة إلي مجرد تابع ذليل في فلك أمريكا, ويعلم أن العلاقات الدولية تبني علي المصالح المتبادلة وليس الانبطاح والخضوع.. هذا المرشح باختصار يؤمن بأهمية إستقلال الإرادة الوطنية. تصادف أن نفس المرشح كان يجري معي بحكم موقعي السابق العديد من الاتصالات والضغوط من أجل الإفراج عن صيادين تم احتجازهم في إحدي الدول العربية, كان يصف معاناة أهالي هؤلاء الصيادين وكأنها معاناته الشخصية, ويطالب بإصرار وحزم أن تتدخل مصر الرسمية من أجل مواطنيها في الخارج, ولم يهدأ إلا عندما اتصلت به لأخبره بأن سفارتنا في الدولة المعنية قد أخطرتني بأنه سوف يتم الإفراج عنهم جميعا. وعندما أشار أحد المرشحين إلي إصابة هذا المرشح بفيروس سي, وقف بشجاعة ليعلن أنه المقصود بهذه الإشارة, فهو ابن فلاح من شعب مصر, ويعاني مثل أغلب الشعب من هذا المرض اللعين, ولعل ذلك هو أحد أسباب إهتمامه الشديد أن يضمن في برنامجه تحديدا دقيقا لمشروعه الثوري في تحسين التأمين الصحي لكل مواطن مصري. من بين كل المرشحين يعد هو الوحيد الذي يمكن إعتباره ممثلا لثورة25 يناير, لأنه ظل يناضل طوال حياته من أجل نفس الشعارات التي رفعتها هذه الثورة, ويكاد التطابق يكون كاملا, فقد قاد المظاهرات منذ أن كان طالبا في الجامعة من أجل الكرامة, ومن أجل العيش الكريم لكل مصري, وناضل في جميع مراحل حياته السياسية من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية.. وهي معان حملتها الطليعة الثورية في25 يناير وقدمت من أجلها مئات الشهداء, ولا أجد في تاريخ باقي المرشحين من حمل هذه المبادئ أو دافع عنها مثل المرشح الذي أعنيه. هذا المرشح ناصري, يحمل في أعماقه عبق مبادئ ثورة23 يوليو, وخاصة ما يتعلق بالعدل الإجتماعي ومحاربة الفقر والمرض واستقلال الإرادة الوطنية, ولكنه في نفس الوقت كان من الشجاعة بحيث إنه مارس منذ سنين عديدة النقد الذاتي للتجربة الناصرية, وأدرك سلبياتها واعترف بها, ثم انطلق من هذا الاعتراف كي يبني نسقا للجمهورية الثالثة يتضمن أبرز وأهم إيجابيات الجمهورية الأولي, ويتفادي أخطاءها, فهو ليس كما يحاول خصومه أن يصوروه بأنه درويش ناصري.. لأنه ببساطة يملك الوعي الكافي الذي لا يسقطه في شرك عبادة الفرد. هذا المرشح يمتلك النضج الكافي لإدارة الدولة, سواء لإهتمامه منذ شبابه الباكر بشئون السياسة والدولة, أو لممارسته الفعلية في مواقع مختلفة أثبتت قدراته القيادية والتنفيذية, وإذا كانت حملته الإنتخابية لا تملك مثل غيره الأموال الكافية, فلا يمكن لأحد أن ينكر أنه استطاع حتي الآن أن يدير حملته بذكاء واقتدار, وكانت ميزته الأساسية هي أنه يمتلك المصداقية, وكلما أتيح له مخاطبة الناس فأنهم يشعرون بالفعل أنه واحد منهم.. هذا المرشح هو حمدين صباحي.. أن شعب مصر يتحرك الآن إلي المستقبل, وقراره في اختيار الرئيس القادم هو أحد أهم القرارات في طريق المستقبل.. ومع احترامي لكل الخيارات, فأن هناك خيارا واحدا سوف نتقدم معه إلي الأمام.. هذا الخيار هو واحد مننا.. حمدين صباحي... المزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق