إحدى سمات العصر الحديث أن من يعيشون فيه بعقولهم يدركون عدم وجود أبطال يستطيعون إنقاذ الشعوب وتخليصها من معاناتها وحل مشكلاتها. ومن سمات العقل الحديث إدراك أنه لا حاجة أصلا إلى أبطال فى هذا العصر، وأن البطولة الحقيقية تكمن فى خلق منظومة صالحة عادلة تُمَّكن كل مواطن من إطلاق طاقاته وقدراته. ولذلك انتقلت فكرة البطولة الفردية فى المجتمعات الحديثة من الواقع إلى الخيال، وأصبح الأبطال الخارقون للعادة شخصيات سينمائية، وصار الأطفال هم المولعين بهذا النوع من الخيال الذى لا يخلو من إبداع فى أفلام «السوبر هيرو» رغم أن هدفها الأول تجارى. تداعب شخصيات أسطورية مثل "باتمان" و"سبايدر مان" وغيرهما خيال الأطفال والمراهقين فى مجتمعات تجاوزت فى تقدمها العلمى والفكرى والاجتماعى والسياسى كل ما هو أسطورى.لا يجد الأطفال والمراهقون فى هذه المجتمعات قادة يقدمون أنفسهم أو يُقدمون بوصفهم أبطالاً ينقذون الدولة أو المدينة أو الناس، ولكنهم يشاهدون أبطالا خياليين فى أفلام السينما حين تقدم لهم هؤلاء الذين لا يمكن أن يجدوهم فى الواقع. وفى بعض هذه الأفلام رسالة ضمنية مفادها صعوبة أن تكون بطلاً خارقاً وأن تقنع أحداً بذلك، كما هو الحال مثلا فى الجزء الأول من «سبايدر مان» الذى أخرجه سام ريمى. ويفصل قرنان كاملان بين هذا الفيلم والسمفونية الثالثة التى أحدث الموسيقار العظيم بيتهوفن من خلالها قطعة فنية مع فكرة القائد البطل المُنقذ أو المخلص. كان بيتهوفن قد وضع تلك السيمفونية تمجيداً للقائد الفرنسى نابليون بونابرت حين بدا أنه هو البطل الذى ساقه القدر لتحقيق أهداف ثورة 1789، وبناء فرنسا الحرة التى تقود حركة التنوير فى أوروبا. ويعرف المطلعون على تاريخ هذه السيمفونية أن بيتهوفن سماها حينئذ «سيمفونية نابليون». ولكن ما إن أصيب القائد الفرنسى بمرض السلطة، وانتهج سياسة استبدادية، حتى أدرك بيتهوفن أن البحث عن بطل منقذ ليس إلا وهماً. ولذلك غيَّر اسم هذه السيمفونية، وأطلق عليها «الإيرويكا» أى البطولة. وحمل هذا التغيير معنى تطور العقل وتحرره من الأساطير وإدراكه أن البطولة هى حالة وليست صفة، وأنها ترتبط بمنظومة عامة يصنعها البشر. وهذا هو ما يصح أن نتذكره حين نسمع سيمفونية بيتهوفن الثالثة. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد