وجوه حزينة ترتسم عليها ملامح الألم والشجن... وعقول شاردة وأجساد تسير مثقلة بهموم ومعاناة يومية للحصول علي أبسط الإحتياجات والحقوق الآدمية...تلك هي أبرز ما التقطته عدسة الكاميرا حين تجولنا في أنحاء المحروسة بحثا عن حال شعبها بعد ثورة كان أهم اهدافها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. لنجد مواطنين مطحونين في زحام خانق, تلهبهم نارالأسعارالتي لا تخمد وتلتهم يومهم طوابير العيش, ويسقط من بينهم ضحايا في طوابير البوتاجاز والبنزين, وكأننا نعيش في حالة حرب, في حين ينشغل أبطال المسرح السياسي من مجلس شعب ومرشحي رئاسة بقضايا أخري كثيرة ليس من بينها هموم المواطن اليومية. إيمان, سيدة في العشرينات لكن ملامح وجهها وجسدها النحيل تعكس عددا أكبر كثيرا من سنوات العمر, أرملة وأم لثلاثة اطفال ولا يتعدي دخلها من بيع المناديل وبعض البضائع البسيطة بضعة جنيهات يوميا. لا تشغلها تأسيسية الدستور أو سحب الثقة من الحكومة أوالجدل حول مرشحي الرئاسة, لكنها مهمومة بسعركيلو الطماطم الذي وصل إلي خمسة جنيهات والفاصوليا التي تباع بعشرة. حتي أجنحة الدجاج التي كنا نعيش عليها أصبحت بسبعة جنيهات بدلا من أربعة, طيب إزاي أأكل ولادي, دول ما شافوش اللحمة من ساعة العيد؟, تتساءل إيمان التي تعيش و بناتها في عشة آيلة للسقوط في إحدي عشوائيات مصر القديمة. منطقة تختلط فيها أكوام القمامة بترنشات المجاري, الطيور والحيوانات والحشرات بالبني آدميين. أما أم نجوي التي حفر الزمن وهمومه علاماته الحزينة علي وجهها, فتتمني أن تجد بيتا يأويها وأبناءها وأحفادها بدلا من منزلهم, في عزبة الهجانة, الذي تهدد جدرانه كل يوم بالسقوط فوق رءوسهم وتتساءل: إزاي فيه ثورة وحالنا كما هو بل زاد سوءا, دول ولادي الأرزقية بيشتغلوا يوم وعشرة لأ. قوت يوم, حياة آدمية, منزل آمن و صرف صحي, أحلام بسيطة لكنها متعذرة. إيمان وأم نجوي, مثل ملايين المصريين الذين يعيشون محرومين من المقومات الأساسية للحياة الإنسانية ويفترسهم الفقر والمرض والجهل و يشعرون أن الحرمان قدر مكتوب عليهم ولا فرار منه. لكن ثورة مصر بثت فيهم بعض الأمل وتصوروا أن الله قد بدأ في الإستجابة لدعاء الغلابة وأن أحوالهم في سبيلها للتغيير. لكن بعد عام وعدة شهور من الثورة, مازالت معاناة المصريين مستمرة ومازالوا يقاومون من أجل البقاء. فإزداد حال الفقراء فقرا وفقد الكثيرون استقرار لقمة العيش, في الوقت الذي يئن فيه الملايين من صعوبة ومشكلات حياة يومية لا تخلو من أزمة تلو الأخري وكأن الأزمات هي شعار المرحلة ليعود المواطن المصري من جديد يدور في حلقات مشكلات العيش والبوتاجازوالتعليم ومياه الشرب المختلطة بالصرف الصحي والبطالة. هذا غير الإنفلات الأمني الذي يقلق الكثيرين كما تقول أم جاد, احدي سكان منشية ناصرالتي تخشي علي بناتها وتمنعهن من الخروج بسبب غياب الأمن المخدرات بتتباع هنا زي الجرجير, وأصبح للبلطجية سطوة وسيطرة تخيف الجميع وكلهم معاهم أسلحة. أما من يتحالف عليهم الفقر والمرض فتهدر كرامتهم وإنسانيتهم في طوابيرالتماس حق العلاج في مستشفيات حكومية, الرعاية الصحية فيها مازالت حالتها حرجة جدا. وكأن شيئا لم يكن. أو أنها خطة مرسومة لإعادة إغراق المصريين في مشكلات حياتهم اليومية في ظل أجواء طغت فيها الصراعات والإنقسامات علي المشهد السياسي. وأهدرت الطاقات والأيام والأموال في انتظار استقرار سياسي لا يأتي, ومحاكمات لا تنتهي, وثورة مضادة لا تهدأ و حسابات كثيرة عن كون الدستورأولا أم الرئاسة, قانون للعزل أم الحكم للصناديق, وكثير من الجدل والمشكلات حول مرشحي الرئاسة دون أن يكترث أحد بمشكلات ملايين المواطنين مثل محمود, أرزقي يكسب يوم وعشرة لأ ومطلوب منه دفع ايجار150 جنيها في الشهر في حجرة, يحشر فيها هو وأبناؤه الأربعة, يطفح ترنشها كل يومين بسبب عدم وجود صرف صحي, رغم أنه يسكن في منطقة بقلب العاصمة لكن سكانها يعيشون في عالم أقرب للموت منه إلي الحياة. أو سمير الموظف بإحدي الهيئات الحكومية ويسكن في عزبة الورد ويكاد يفقد عقله كل يوم في محاولة حل المعادلة,360 جنيها شهريا وثلاثة اطفال: اثنين منهم يعانيان من أمراض مزمنة ويحتاجان لعلاج مستمر في ظل نيران أسعار يزداد لهيبها كل يوم, حاصة الأدوية, ده غير مصاريف المدارس. والله أنا مش عارف البيت ماشي إزاي, بطلت أحسب, هو ربنا اللي بيستر. فلا أحد يهتم بمحدودي الدخل, كما يقول طارق عبد الغني, أحد أعضاء اللجنة الشعبية, مستطردا لقد أصبحنا نصرف من جيوبنا, نغير مصابيح الشارع و نحاول التدخل لمنع تراكم الأزمات ويتساءل آخر: ما هو البديل ولدينا مجلس شعب مشغول بقضايا مثل الخلع والآذان أثناء الجلسات وسن الزواج عند البنات وحكومة تتبادل معه الإتهامات في حين تنذر أحوال الغلابة بثورة جديدة لكن هذه المرة مختلفة ثورة للجياع.. ومن حي إلي آخر, يعاني المواطنون يوميا من اختناقات مرورية وازدحام وفوضي سيارات السيرفيس والسلوكيات, تلهب الأعصاب وتهدر الطاقات, ولا أحد يعرف محددا ما هي الأسباب: هل عدم احترام القوانين أم سيول التظاهرات اليومية بسبب تراجع سوء الأحوال أم مواكب مرشحي الرئاسة أحيانا مثل ما يحدث من تعطيل حركة المرور في شارع صلاح سالم والمناطق المحيطة بسبب تشريفات و احتجاجات أنصارالأستاذ حازم أبوإسماعيل. لتضاف لأشكال المعاناة تلال القمامة ومخلفات المباني المنتشرة في مناطق مختلفة تعوق المرور وتلوث المكان بعد ثورة كانت أبرز المشاهد التي تلتها هو قيام الشباب بحملات للنظافة, فماذا حدث؟ الاتهامات متبادلة بين موظفي الأحياء وعمال شركات النظافة, كل منهم يتنصل من المسئولية أو يتعلل بنقص الإمكانيات. مشكلات كثيرة زادت من حالة الإحتقان النفسي والإجتماعي والشعور بالإحباط لدي المواطنين و يصف الوضع د. يحيي عبد الحميد, أستاذ الإجتماع السياسي, مما يدعو الي المطالبة بضرورة وجود برامج سياسية تهتم بقضايا المواطن بدلا من برامج المرشحين التي تكاد تكون متشابهة وبدلا من التقسيمات إلي فصائل مختلفة كل منها يعمل علي خدمة مصالحه, ففي رأيه المعاناة الحقيقية للمواطن لا تجد لها مكانا في مناقشات المجالس النيابية أوفي برامج المرشحين, حتي أصبح المواطن يشعر أن الجميع يخدعه لخدمه مصالحه بنظرية مكنونا للحصول علي كل المناصب ثم حاسبونا. ويتساءل: من أعلن عن عدد المدارس التي سيبنيها وكم سيخصص لميزانية التعليم وماهي سبل تطويره, الكل يتحدث عن عناوين عامة ولا يقدم لنا روشتة محددة لرؤيته لسبل العلاج. مستطردا أن المكيافيلية هي عنوان ممارسة السياسة لدينا فالغاية تبرر الوسيلة والكل يبحث عن مصالحه والضحية مواطن مطحون وشعب يختنق... يوشك علي الإنفجار لكن هذه المرة بشكل مختلف. من الرغيف للأنبوبة.. دراما شعبية يومية ومن مصر القديمة ورمسيس إلي روض الفرج تتغير الوجوه لكن المشكلات متكررة, مواطنون يقضون يومهم بحثا عن رغيف الخبز وليلهم ساهرين أمام مستودعات البوتاجاز. مشادات ومشاجرات أمام أفران العيش للحصول بعد ساعات انتظارطويلة علي بضعة أرغفة هزيلة الحجم. فمشكلات تسريب الدقيق إلي السوق السوداء وبيع الخبز للمطاعم والمتاجر بأسعار أعلي مازالت تعوق حصول الكثيرين علي حقهم في العيش, أما البوتاجاز الذي وصل سعره في بعض المناطق إلي70 جنيها للإسطوانة وتتسبب أزمته في وقوع وفيات ومصابين فقد قررت اللجان الشعبية بروض الفرج التدخل لتوصيل الاسطوانات لسكان المنطقة بسعرها الأصلي بكوبونات والتصدي للبلطجية والمستغلين ممن يتسببون في غليان أسعار البوتاجاز. حمام سباحة الغلابة مياه الشرب الملوثة ونقص شبكات الصرف الصحي, فحدث ولا حرج, فمشهد الصغار يلهون في مياه الصرف كأنها حمام سباحة في أحياء بقلب القاهرة, يصدم الأبصار ويثير آلاف الأسئلة عن أبسط حقوق الإنسان؟ فهل يدرك كل متكالب علي منصب رئيس مصر القادم كم المشكلات والتحديات في حياة المصريين التي تنتظره.